فإذا استرشدت العقل والعلم دلاك على أن النفس هو المختارة لهواها(1)، إذ كان ذلك يقيم لها خلقها عند المخلوقين المحققين ليعرفوا ضبطها ووزنها للكلام وحفظها للسان، فإذا حضر الإمتحان قدمت الهوى وأخرت العلم والبيان، فقطعت بالهوى، وعملت في جميع الأمور بهواها، فقد دلك العقل والعلم عند ذلك على الرياء والتصنع، وأكثر ذلك يخفى على المدعين لمعرفة أنفسهم، فما ظنك بأهل الجهل وقلة العلم.
وإنما يصح على ما وصفت عند العالم بنفسه عند حقائق الإمتحان(2)، فلا تغتر بمحاسن الوصف منها وحلاوة المنطق وإصابة الحق، وهي عند الإمتحان تجعل ذلك حجة عليك، وتصيره إلى الهوى، فلا تغتر بإظهار الخوف والرضى والصدق والتوكل بالوصف؛ وهي إن عارضها خوف الفقر قبل حلوله أيست وقنطت، وتدعي الصبر فإذا نزل بها بلاء سخطت، ولا تغتر بما تظهر من التواضع والحلم فإذا افتاقت إلى ذلك تسافهت(3) وإن هي مدحت بباطل يوافق هواها فرحت، فلا تعبأ بظاهر الأعمال فإنها غرور، ولا تغتر في مبادرتها في البر واصطناع المعروف فإن لم تشكر ذلك لها وتثن به عليها غضبت، فإن لم تظهر الغضب أضمرته، فاحذرها فإنها تقطع(4) بك في مواطن الحاجة في كل وجه، وأن تجنح(5) إلى إخلاصها وصدقها وخوفها فقد تظهر لك خلاف ما ادعته، وإنما رضيت بعد الشكر لما وافق هواها، ودب في تعظيمها، فلا تغتر بما ظهر منها في جميع الأمور، وتدبر منها سوء الضمير.
واعلم أنه إنما يستخرج ما حسن(6) في القلب من الصدق والكذب عند الإمتحان، وعند فضائح ضمائر الأنفس، فزن ذلك بالعلم والتيقظ في مواطن الإمتحان، وعليك بدوام الإستعانة بالله، وإياه فاسأل العفو عن الذنوب، وبه فتعوذ من الخذلان.
قال في الام المنقول عنها ما لفظه:
تم ما وجد من ذلك والحمدلله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما وكان الفراغ من ذلك بعد صلاة العصر يوم الأحد السابع والعشرين من شهر جمادى الأخرى من شهور سنة ثمان وأربعين وستمائه سنة هجريه، وصاحبه وكاتبه يسألان الله المغفرة والرضوان لهما ولمن قرأ فيه وتدبر معانيه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلامه.
مخ ۶۹۸