280

مذکرات پیکویک

مذكرات بكوك

ژانرونه

فقد كانت طريقة المستر طبمن متناهية في البساطة، كشأن كثير من أكبر المكتشفات، فقد أدرك في الحال بسرعة الرجل العبقري وحيطته أن أهم ما ينبغي تحقيقه من الأهداف في الصيد نقطتان: الأولى أن يطلق بندقيته بحيث لا يحدث أذى لنفسه، والثانية أن يطلقها بحيث لا يتعرض أحد من النظارة للخطر. ومن الجلي أن الوسيلة المثلى - بعد التغلب على صعوبة الإطلاق في ذاته - هي إغماض عينيه كل الإغماض، وإطلاق الرصاص في الفضاء.

وقد حدث في إحدى المرات، بعد أن أغمض المستر طبمن عينيه وأطلق النار، ثم فتحهما، أن أبصر بطة سمينة، وهي تسقط جريحة على الأرض، فهم بأن يهنئ المستر ونكل بنجاحه المطرد، ولولا أن رآه يتقدم نحوه، ويمسك يده بحرارة.

وقال الشيخ: «لقد سددت يا طبمن الرماية إلى تلك الحجلة بالذات!»

وأجاب المستر طبمن: «كلا! كلا!»

قال: «بل لقد فعلت، وقد رأيتك بعيني رأسي، ولاحظت أنك صوبت إليها دون سواها، لقد رأيت ذلك بنفسي، وشاهدتك وأنت ترفع البندقية لتسدد الرمية، وأريد أن أقول لك الحق: إن أبرع الرماة في العالم كله لم يكن في استطاعته أن يفعل أكثر مما فعلت، ولا أجمل رماية مما رميت، إنك لأبرع مما كنت أظن يا طبمن، هل سبقت لك في الصيد سابقة؟»

وقد حاول المستر طبمن الاحتجاج، وهو يبتسم ابتسامة الإيثار وإنكار الذات، ويقول: إنه لم يشترك في الصيد من قبل، فلم يجد الإنكار نفعا، بل لقد اتخذت تلك الابتسامة دليلا على العكس، ومن تلك اللحظة توطدت شهرته في عالم الصيد، ولم تكن تلك الشهرة هي الوحيدة التي نالها بهذه السهولة، ولا كانت الظروف السعيدة الموفقة مقتصرة على صيد البط دون سواه.

أما المستر ونكل فقد ظل يرسل الشهب والنيران والدخان، دون الوصول إلى أية نتائج مادية تستحق الذكر، بل راح أحيانا ينفق «الرش» في الفضاء، وأحيانا يطلقه ماسحا به سطح الأرض مسحا، يعرض حياة الكلبين لخطر بالغ، فكان إطلاق الرصاص على تلك الصورة منوعا كل التنويع، وغريبا كل الغرابة، إذا نظرنا إليه على أنه معرض لهو وعبث، ولكنه من ناحية الرماية إلى هدف معين، قد يكون في الجملة إخفاقا، ولا يخفى أن المثل السائر يقول: «لكل رصاصة مستقر»، فإن طبقناه على رصاصات المستر ونكل، بدا لنا أنها لم تكن سوى رصاصات «لقيطة» تعسة محرومة من حقوقها الطبيعية، ألقيت إلى هذا العالم إلقاء، فلم تجد مستقرا.

وتقدم المستر واردل إلى جانب المركبة، ومسح العرق المتصبب من وجهه الأحمر المرح، وهو يقول: «كيف الحال؟ إنه ليوم «صائف»، أليس كذلك؟»

وأجاب المستر بكوك: «إنه لكذلك حقا، إن الشمس لحارة أشد ما تكون حرارتها، حتى بالنسبة لي، وأنا الجالس لا حراك بي، لست أدري كيف تشعر بها أنت؟»

وقال السيد الكبير: «حارة جدا، من غير شك، وقد تجاوزت الساعة اثنتي عشرة، أتبصر تلك الربوة الخضراء التي تلوح هنالك؟» - «بلا شك.» - «هذا هو الموضع الذي سنتناول فيه الغداء، يمين الله، ها هو ذا الغلام قد حضر بالسلة في الموعد المضروب، كأنه الساعة في دقتها.»

ناپیژندل شوی مخ