مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې
مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)
ژانرونه
ولقد خشي «مسيت» بسبب هزيمتي رشيد والحماد وما أبداه «فريزر» من رغبة في الجلاء عن هذه البلاد أن تتأثر الحكومة الإنجليزية بحجج ودعاوى العسكريين، فتأمر بإخلاء الإسكندرية وبانسحاب الجيش إلى قواعده في صقلية؛ لاستخدامه في مسائل أخرى، ثم إنه خشي كذلك أن تلقى محاولات «فريزر» تحميله مسئولية فشل الهجوم المتكرر على رشيد صدى في دوائر حكومته، فعمد منذ 26 أبريل إلى إرسال صورة لها من رسالة «فريزر» له في 21 أبريل، ثم جوابه عليها في اليوم التالي، وكتب إلى الوزير «وندهام» يدفع عن نفسه تهمة التقصير أو التضليل، لا سيما فيما يتعلق بموضوعي المماليك ورغبتهم في التعاون مع الحملة، وصداقة أهل البلاد وموقفهم من الإنجليز، كما راح - في واقع الأمر - يحذر حكومته من مغبة الجلاء عن البلاد الآن؛ حيث إنه افترض حتما أن هذه الحكومة لن تجد مناصا من العودة إلى احتلال الإسكندرية بعد ذلك لدفع خطر الغزو الفرنسي عن مصر؛ ولتأسيس النفوذ البريطاني بها.
وقد استهل «مسيت» خطابه إلى «وندهام» في 26 أبريل بقوله: إنه قد سبق له أن أبلغ الوزير في تقريره إليه بتاريخ 12 أبريل وقد سبقت الإشارة إلى هذا التقرير ما وقع للحملة الأولى على رشيد، ثم استطرد يقول: «وقد وقع لسوء الحظ كل ما تنبأت به من نتائج قدرت ترتبها وقتئذ على فشل عملياتنا ضد رشيد، فقد التحقت جملة قبائل من العرب بخدمة الباشا ، بينما اعترفت بصراحة قبائل أخرى أنها لا تستطيع الاشتراك معنا بصورة إيجابية، إلا إذا أحرزنا تفوقا ملحوظا على العدو، ولم يعد الأرنئود الذين انتشوا بحمى النصر يتخذون موقف الدفاع، وهم الذين كثيرا ما انهزموا في خزي على يد حفنة من المماليك، وأما البكوات الذين كانوا قد عرضوا كما ترون من الترجمة المرفقة طيه لرسائلهم بتاريخ أول أبريل إلى الميجور جنرال «فريزر» وإلي، أن يضعوا فورا قسما من جنودهم تحت قيادة «فريزر» قد وقفوا فجأة عند المنيا، ولم تصلنا أية أخبار منهم حتى الآن.»
وإذا كان التهور سبب فشل الحملة الأولى ضد رشيد، فإن مرد عدم النجاح في الهجوم الثاني، إنما هو إلى الحيطة والحذر بدرجة أكبر مما ينبغي، ولا يريد «فريزر»، بل ولا الجيش بأسره أن يصدق أن أهل مصر ذوو ميول ودية نحو الإنجليز، والسبب الوحيد في عدم تصديقهم لهذه الحقيقة هو أن أحدا من المصريين لم يقم بتأييد قضيتنا بقوة السلاح، غير أنه قد فات عليهم أنه لو كان في استطاعة المصريين أن يقوموا بهذا الجهد، لما كانوا رضوا كل هذه المدة الطويلة باحتمال ما ينزله بهم من صنوف الاستبداد بضعة آلاف من الأرنئود.
ولما كان الجنرال «فريزر» متأثرا بفكرة أن المصريين ليسوا أصدقاءنا، فقد صار شديد الرغبة في إبقاء حامية قوية بالإسكندرية، الأمر الذي جعل متعذرا عليه إرسال العدد الكافي من الجنود لحصار رشيد محاصرة تامة، أو اتخاذ موقع في الدلتا يستطيع منه وقف النجدات والإمدادات التي تدفقت يوما بعد يوم على رشيد، ولقد تبين بعد استمرار الضرب الشديد عليها بالرصاص والقنابل أنه طالما بقيت لحاميتها حرية الاتصال بالدلتا ذهب ضربنا لها إليه أولا من ضرورة الاستيلاء على رشيد والرحمانية لتأمين حاجة الجيش والإسكندريين إلى المؤن والأغذية، وبين ما يذهب إليه الآن من إمكان بقاء الجيش في احتلال الإسكندرية دون تعرضه أو تعرض الإسكندريين أنفسهم لخطر المجاعة، واتخذ من هذه المسألة ذاتها وسيلة للتخلص من مسئولية الرأي الذي أشار به على «فريزر»، من حيث ضرورة امتلاك قلعة جوليان ورشيد والرحمانية، وهو الرأي الذي كان - كما شهدنا - مبعث الكوارث التي نزلت بالحملة، والذي أراد «فريزر» أن يعزو إليه السبب في خروجه على نص وروح التعليمات المعطاة له، فكتب «مسيت» إلى «وندهام» في 29 أبريل، يعلق على رسالتي إبراهيم وشاهين سالفتي الذكر بقوله: ومنها تلاحظون أن إبراهيم بك وجماعته لا يميلون إلى الاتحاد معنا، إلا إذا أحرزنا تفوقا عسكريا في الميدان وبدأنا مهاجمة القاهرة، ومن الواضح، ولو أن البكوات لا يذكرون ذلك في عبارات صريحة، أن هزيمتنا الأولى في رشيد والتي بلغتهم أخبارها وهم بالمنيا، هي التي جعلتهم يقفون بها حيث إنهم لا يريدون ترك الصعيد حتى يتأكدوا من أنه في استطاعتنا جعلهم يملكون البلاد بأسرها.
وقد شجع الجنرال «فريزر» كما شجعت شاهين بك الألفي على المضي في سيره من الصعيد، وهو على ما جاء في رسالته الخاصة إلي، يظهر بمظهر من ورث عن الألفي سيده المتوفى كل أطماعه، ويكفل لنا وجوده بالبحيرة السيطرة على هذا الإقليم، ويمكننا من الحصول على إمدادات وفيرة من المؤن، وقد يمكننا كذلك من إنشاء مستودعات للقمح والشعير، ولكن من واجبي أن أعترف لك أني صرت أخشى أن يمنعه تقهقرنا الثاني من حصار رشيد من تنفيذ وعوده لنا، ومن المحتمل أن يستخلص من حجز أنفسنا داخل أسوار الإسكندرية أننا سوف نكون عاجزين عن إسداء أية معونة له، إذا هوجم بقوات متفوقة عليه، وتحت تأثير هذه الفكرة سوف يكون طبيعيا إذا ارتد منسحبا إلى حيث يوجد زملاؤه.
ولما كنت قد ذكرت في رسالتي بتاريخ 23 مارس إلى الجنرال «فريزر» أن أهل الإسكندرية سوف يحرمون من الأغذية والمؤن إذا لم نمتلك رشيد والرحمانية، ثم عدت فذكرت في رسالتي إليه بتاريخ 22 أبريل أن هناك سدى وتعذر علينا إخضاعها، ولما كانت قد جاءت الأخبار عن أن جيشا للعدو في طريقة إلى نجدتها، فقد رئي من الأنسب سحب الجنود المحاصرين لرشيد، غير أن الأوامر الصادرة بذلك لم تفهم - على ما يبدو - على وجهها الصحيح؛ لأن قسما قويا من الجيش تحت قيادة «ماكليود» قد انعزل عن بقيته، ولا يزال من غير المقطوع به ما إذا كان هؤلاء قد سلموا كأسرى حرب أو أنهم لقوا حتفهم على يد العدو؟ ويؤسفني جدا أن أذكر أن الكابتن «تابرنا» سكرتير البعثة، وهو الذي خدم مع الجيش منذ نزوله في هذه البلاد وبناء على رجاء «ستيوارت» له، من ضمن المفقودين، وهكذا فإنه لما كنا قد أخفقنا في كل عمل قمنا به، وصرنا مطوقين أو محصورين بالإسكندرية، فسوف نلقى صعوبات عظيمة في الحصول على المؤن والإمدادات، ولكنه إذا كان على الجيش أن يخضع لكل صنوف الحرمان، ففي رأيي أن هذا أفضل بكثير من ترك مركز هام كالإسكندرية.
ولقد أعطيت هدايا لكثيرين من رؤساء العرب لإغرائهم بجلب المؤن إلى الإسكندرية، ورجائي أن ينال هذا العمل موافقتكم؛ حيث إن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن الجيش من الاحتفاظ بالمكان الذي دخل في حوزته في مصر.
ولا ينبغي أن أخفي عنكم أنه حتى يتسنى لنا استرجاع نفوذنا في هذه البلاد فسوف يتحتم علينا إرغام الأرنئود على إخلائها، وبعد المزايا التي صارت لهؤلاء على جنودنا، وحيث إن قائد القوات البحرية لا يجد في مقدوره فرض الحصار على دمياط، فسوف يكون ضروريا الاستعانة بقوات مسلحة عظيمة لبلوغ هذه الغاية ...
ثم إن «مسيت» بمجرد أن جاءته وجاءت «فريزر» في 28 أبريل رسالتا شاهين الألفي وإبراهيم بك، بعث بترجمة هاتين الرسالتين إلى «وندهام»، كما كتب إليه من جديد يفسر مسلك البكوات الذين عزا توقفهم في المنيا، وعدم مجيئهم لنجدة «فريزر» إلى انهزام الحملة الأولى في رشيد، ولما كان في رده على «فريزر» في 22 أبريل قد حاول إقناعه بأنه لا سبب يدعو للخوف من حدوث مجاعة بالإسكندرية، وذلك لاقتلاع فكرة إخلائها من ذهنه، فقد شعر بأن الواجب يقتضيه تفسير بواعث هذا التناقض الظاهر بين ما ذهب كميات كبيرة من الأرز بالإسكندرية، وأن العرب البدو إذا شجعوا بوسائل مناسبة فقد يمكن إغراؤهم لإحضار كميات من القمح والشعير تسد حاجة البحرية والجيش والسكان، فهناك تناقض ظاهر بين هذين القولين ، أرى لزاما علي أن أوضحه، فمعظم الأرز الموجود الآن بهذه المدينة كان قد أودع في بطون سفن مختلفة من المنتظر إبحارها مباشرة، وذلك بعد دخول الجيش إلى الإسكندرية، ولكن لم تلبث أن صدرت الأوامر بإنزال الأرز من السفن بعد فشل الهجوم الأول على رشيد، وذلك هو سبب توفر هذه المادة أو الأرز الموجود الآن، وحيث إن القمح صار نادر الوجود جدا، ولا يمكن العثور عليه إلا بعد دفع الثمن مقدما، فقد صار لا معدى عن أن يعيش معظم السكان على الأرز والشعير، وقد أعلن هؤلاء إلى الجنرال «فريزر» بطريق الشيخ محمد المسيري أنهم سوف يقنعون بالاعتماد في غذائهم على الأرز والزيت مدة شهر أو شهرين من الزمان، الأمر الذي يفضلونه كثيرا على تسليمهم إلى أيدي الأرنئود، ومع ذلك، فمن المحقق قطعا أنه لا يمكن بحال أن تكون حكومة جلالة الملك قد أرادت عندما أرسلت جيشا إلى مصر أن يكون الحرمان من الخبز واللحم نصيب الإسكندريين طوال مدة احتلالنا لهذه المدينة؛ ولهذا فقد وجدت لزاما علي أن أوصي بامتلاك رشيد والرحمانية؛ من أجل الحصول على المؤن وجلبها إلى الإسكندرية.
على أن هذه الحجج والدعاوى التي ساقها «مسيت» للدفاع عن نفسه وزحزحة عبء المسئولية في الفشل الذي لازم عمليات الجيش ضد رشيد عن كاهله، ثم محاولته لإغراء قائد الحملة أو حكومته بالبقاء في احتلال الإسكندرية، لم تفد شيئا لا في إقناع «فريزر» بأن «مسيت» لم يكن مسئولا عن المركز الدقيق الذي وجد الجيش فيه نفسه الآن بعد نقص قواته وشبه محاصر في الإسكندرية، أو بنزوله عن فكرة إخلاء الإسكندرية إلا إذا أرسلت إليه حكومته بالنجدات الوفيرة من الرجال والمال والمؤن، ولا في إقناع الحكومة الإنجليزية بالتخلي عن أهدافها الأساسية الأولى عند إرسالها حملة «فريزر» إلى الإسكندرية ، وذلك فيما يتعلق بموقف الحكومة الإنجليزية؛ لأن بواعث هذه الحملة كانت - كما قدمنا وكما سيأتي ذكره - مرتبطة بتطورات الموقف العسكري والسياسي في أوروبا، ولأنه فيما يتعلق بأسباب فشل العمليات العسكرية ضد رشيد، استمر «فريزر» ينحي باللائحة على «مسيت» الذي زوده بمعلومات مضللة عن حركة المماليك، كان مبعثها عجز نظام المخابرات الذي أوجده «مسيت»، ثم إن «فريزر» لم يلبث أن وجد مأخذا آخر على مسلك «مسيت» في جعله البكوات يعتقدون أن غرض الحملة الأول إنما هو إرجاعهم إلى الحكم، وأن واجب الإنجليز أن يفعلوا ذلك بتدابيرهم الخاصة، ودون حاجة إلى معونة المماليك، أو انتظار لها، ويتضح ذلك كله من تبرم «فريزر» بالحالة التي صار عليها جيشه بعد هزيمة 21 أبريل خصوصا، وتبرمه بمسيت الذي يبدو بسبب لحاجته في تبرئة نفسه من المسئولية من جهة، وإظهاره لمزايا البقاء في احتلال الإسكندرية من جهة أخرى؛ لاستئناف العمليات العسكرية في أول فرصة ملائمة لاحتلال البلاد؛ حتى يتسنى طرد الأرنئود منها والقضاء على نفوذ الوكلاء الفرنسيين، ومنع فرنسا من غزو مصر، وتهديد ممتلكات الإنجليز في الهند من جديد، أنه لم يفلح إلا في جعل «فريزر» يزداد يقينا بضرورة إخلاء الإسكندرية، إذا لم تعمد حكومته إلى اتخاذ إجراءات سريعة لمعالجة الموقف، ويزداد تشبثا بتحميل «مسيت» مسئولية الهزائم التي حلت بجيشه، ينهض دليلا على ذلك قول «فريزر» في رسالة له إلى «وندهام» من الإسكندرية في أول مايو لقد أظهر المماليك قطعا مصادقتهم لنا، وجعلونا نعتقد في وقت من الأوقات أنهم سوف يبعثون بقسم من قواتهم إلى هذا الجزء من البلاد للتعاون معنا، ولكنه يبدو أن الأكثر في رأيهم أن نساعدهم نحن على امتلاك القاهرة، بدلا من أن يعاونوا هم على الاحتفاظ بالإسكندرية، ولهم من الأسباب يقينا ما يجعلهم يتوقعون ذلك بسبب كتاب بعث به إليهم الميجور «مسيت» قبل وصولنا إلى هذا المكان الإسكندرية، يبدو أنه كان مفرغا في عبارات تعوزها الحيطة والحذر، حيث أكد لهم على هذا الكتاب أنه لا مناص من إرجاعهم إلى الحكم في هذه البلاد .
ناپیژندل شوی مخ