197

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

ولقد تحقق الآن بصورة قاطعة أنهم لم ينزلوا من الصعيد إلى مكان يقرب من الدلتا، ولا حتى إلى القاهرة، وذلك في الوقت الذي كثيرا ما كانت تجعلنا التقارير الكاذبة نعتقد أنهم على مسافة قصيرة جدا من جندنا في رشيد، ومنذ عودة الجيش إلى هذا المكان وجدت به أي الإسكندرية كميات كبيرة من الأرز؛ ولذلك فقد يتسنى - لنا ما دام العدو لا يفرض علينا حصارا صارما - الحصول على بعض المؤن وما يلزمنا من الماء من الجهات المجاورة بالقدر الذي يكفي الحامية والسكان، ومع ذلك، وبالرغم من رغبتي في العمل بما يوجبه نص التعليمات الصادرة إلي بشأن التمسك بهذا الموقع، أعتقد من واجبي أن أذكر لكم دون مواربة، وبعد أن فكرت في الأمر تفكيرا عميقا، وقدرت كل دقائقه حق قدرها، أني مقتنع تماما بأنه من المتعذر الاحتفاظ بهذا المكان الإسكندرية كموقع بريطاني في بلد يملكه العدو، بل يجب أن يكون امتلاكه والاحتفاظ به بناء على معاهدة مبرمة لهذا الغرض مع الباب العالي، أو إرسال قوات بدرجة من الضخامة، تمكننا من أن نصبح - بمعاونة جماعة أو أخرى هنا - سادة هذه البلاد، كما أني مقتنع تماما ولو أنه من المحتمل الاحتفاظ بهذا الموقع بعض الوقت إذا أتتنا فورا النجدات من الرجال، وزودنا بالمال والمؤن، فإن الإسكندرية يجب إخلاؤها في النهاية.»

وقد حدث أن استطاع أحد العربان، وكان يعمل ترجمانا مع القوات الإنجليزية في الحماد، الهرب والوصول إلى الإسكندرية مساء 30 أبريل، فروى تفاصيل حادث يوم 21 أبريل، وكيف فوجئ «ماكليود» في صبيحة ذلك اليوم بمشاهدة أربعة آلاف من مشاة وفرسان العدو تحملهم السفن في النيل، وكيف تغلب هؤلاء على ميسرة خطوط الإنجليز عند الحماد أولا، ثم أحاطوا بالمراكز التي في الوسط وفي الميمنة، وتغلبوا عليها كذلك، كما ذكر هذا الأعرابي أن «فوجلسانج» مع سائر أسرى الإنجليز في طريقهم إلى القاهرة، وأن «ماكليود» نفسه من بين الجرحى من هؤلاء الأسرى، ولم يدر الأعرابي أن «ماكليود» قد قتل أثناء المعركة، وقد نقل «فريزر» إلى الجنرال «فوكس» في أول مايو هذه التفاصيل التي جاءته والتي يؤخذ منها - وذلك ما حدث فعلا - أن «ماكليود» لم يكن يتوقع أن يهاجمه الأرنئود، وبكل هذه القوات الكبيرة في صبيحة اليوم الذي وقعت فيه المعركة، ولما كان «مسيت» مسئولا عن تقصي أخبار العدو؛ لإبلاغ ما يقف عليه منها إلى قيادة الحملة، فقد وجد لزاما عليه، ولدفع تهمة التقصير والإهمال عن نفسه أن يفسر لحكومته سبب هذه المفاجأة التي فوجئ بها «ماكليود»، فكتب إلى الوزير «وندهام» يوم أول مايو أنه يبدو من الأخبار التي جاء بها الأعرابي أن العدو قد فاجأ وسط الموقع الذي يحتله جيش «ماكليود»، وأن «ماكليود» الذي بدأ يتقهقر من اليمين، لم يلبث أن وجد نفسه - بغتة وعلى غير انتظار - محاطا بفرسان الأتراك، فقاتل الإنجليز ساعة من الزمان ثم سلموا للعدو، ثم أنشأ يقول: وأما أن يفاجأ جنودنا هذه المفاجأة، فهو أمر يتعذر نوعا تعليله؛ لأن كان قد نما إلينا منذ يوم 10 أبريل وأبلغنا بأن الباشا يسير بنفسه على رأس قوة من ألفين من الفرسان وألف من المشاة لنجدة رشيد، ولقد كتب إلي الكابتن «تابرنا» الذي عمل رئيسا لأدلاء الجيش، يوم 19 أبريل أي قبل الواقعة بيومين يقول ما نصه: لقد اتضح كذب كل ما بلغنا عن محمد علي أثناء هذه الأيام القليلة الماضية، ولكنه الآن يبلغنا أن كتخداه يسير صوب رشيد بقوات عظيمة، وليس هناك أي شك في أن المدخل إلى رشيد مفتوح تماما للعدو، وطالما أن جيشنا لا يتخذ من الإجراءات ما يكفل تأمين الجانب الآخر من النيل، فلن يكون في وسعنا أن نفعل شيئا، ويكفي تأمين الجانب الآخر من النيل، فلن يكون في وسعنا أن نفعل شيئا، ويكفي خمسمائة جندي زيادة على القوات التي لدينا لتأمين هذا الجزء من الدلتا، ولكن أين هم؟ هذا وبمجرد أن بلغ الباشا أن شاهين بك الألفي قد وصل إلى بني سويف يبغي الاستمرار في سيره صوب الدلتا، استدعى محمد علي فجأة الجنود الذين كانوا يعملون في رفع الحصار عن رشيد، وينهض اتخاذه مثل هذا الإجراء دليلا لا يمكن دحضه على أنه لو كان المماليك لم يوقفوا سيرهم عند المنيا على أثر سماعهم بفشلنا الأول أمام رشيد، لكان محمد علي قد اضطر لجمع كل قواته تركيزها بجوار القاهرة، ولما كان في وسعه أن يعطل عملياتنا في الوجه البحري.»

تلك إذن كانت الحجج والدعاوى التي حاول بها «مسيت» أن يبرر مسلكه، وأن يفسر أسباب الهزيمة في رشيد والحماد، وأن يتحرر من مسئولية هذا الفشل الذي منيت به القوات الإنجليزية، وهو الفشل الذي حاول «فريزر» أن يحمله تبعته، ولا جدال في أن الرجلين مشتركان في المسئولية: مسيت؛ لأنه كان - كما يقول «بنبري»

Bunbury

مدير مهمات الجيش البريطاني في صقلية وقتئذ، ومؤرخ الحرب الكبيرة مع فرنسا - قد صار كلفا بمشروع فخم عظيم، ويحاول إغراء مواطنيه بغزو مصر وفتحها، مما ترتب عليه أن تأثرت نصائحه لقائد الحملة بهذه الرغبة، فكان أكبر خطأ ارتكبه الإصرار على أنه لا سبيل إلى احتفاظ الجيش البريطاني بالإسكندرية من غير الاستيلاء على رشيد والرحمانية، بل والاستيلاء على دمياط كذلك، ثم تأكيده القاطع لقائد الحملة والمسئولين بأن البكوات المماليك - لا محالة - حاضرون لمعاونة الجيش البريطاني، وفضلا عن ذلك، فقد ظهر فساد نظام المخابرات الذي أوجده، وهو نظام نجح في تضليل «مسيت» نفسه؛ أي في تضليل مبتدعه من حيث جعله يتوهم أن أهل البلاد بأسرهم أصدقاء للإنجليز، ومن حيث إشاعة الأنباء الكاذبة سواء عن حركات البكوات المماليك أو عن حركات محمد علي، وأما «فريزر» فلأنه رضي بتجاوز نص وروح التعليمات المعطاة له قبل التحقق بصورة قاطعة من ضرورة الإقدام على هذا التجاوز، وهو المسئول الأول عن نجاح أو إخفاق حملته، برغم ما جاء في تعليماته من التوصية بالاستماع إلى نصائح «مسيت»، ثم إنه عجز عن اختيار الخطة العسكرية الناجعة لبلوغ مقصده، سواء عند تدبير أمر الحملة الأولى أو الحملة الثانية ضد رشيد، وظل بمنأى عن العمليات العسكرية، بعيدا عن الميدان في ظروف حرمته من مراقبة العمليات عن كثب، وإصدار ما قد يتطلبه الموقف من تعليمات وأوامر عاجلة في الوقت المناسب.

ولقد كان ممكنا حتى في اللحظة الأخيرة أن ينسحب الجيش من مواقعه أمام رشيد وفي الحماد دون تكبد خسائر كبيرة، لو أن «مسيت» بقي مع «ستيوارت» فأبلغه في الوقت المناسب المعلومات التي جاءت يوم 20 أبريل عن مرور قوات حسن باشا و«طبوز أوغلي» ببلدة فوة قبل ذلك بيومين، ولو أن «فريزر» لم يتخذ مقر قيادته على ظهر السفينة الحربية «كانوب» في خليج أبي قير فخضعت خطوط مواصلاته لنقل التعليمات والأخبار وما إليها إلى «ستيوارت» لرحمة الريح وهياج البحر، ثم إنه لا يمكن كذلك تبرئة القواد البحريين: السير «جون داكويرث» والسير «توماس لويس» والكابتن «هالويل» من تبعة هذه الهزيمة؛ لموافقتهم على العمليات العسكرية ضد رشيد ورضاهم بالاعتماد على بحيرة إدكو كطريق للمواصلات لنقل الإمدادات والذخائر والمدفعية، ورفضهم اتخاذ طريق العجمي رشيد البحري لهذه الغاية، بدعوى وجود الأمواج الشاطئية عند مصب النيل، الأمر الذي ترتب عليه عدا ما صادفه الجيشان المهاجمان لرشيد من مشقات وصعوبات أثرت على سير العمليات العسكرية ذاتها للأسباب التي سبق توضيحها في موضعها بتنظيم خطة الحرب بصورة حصرت نشاط البريطانيين في ميدان تعذر فيه عليهم بسبب طبيعة أرضه وجغرافيته اتخاذ مواقع منيعة تكفل لهم حرية التصرف والمناورة النشيطة والمجدية، سواء لاستمرار عملياتهم أو لتقهقرهم، لا سيما وأنه لم يكن في وسع قيادتهم إمداد الجيش المقاتل بأية نجدات من الإسكندرية، عندما كان الغرض الأساسي عند تأليف الحملة امتلاك الإسكندرية فحسب والاحتفاظ بها، زد على ذلك أن نبذ طريق العجمي رشيد البحري قد منع الإنجليز من الاستيلاء على قلعة جوليان والمراكز التي كانت للأرنئود على شاطئ النهر المقابل كخطوة مبدئية لا غنى عنها لإحكام الحصار على رشيد، ولمنع وصول نجدات العدو إليها، وبخاصة عندما كان هدف المحاولة الثانية ضدها إخضاعها بتسديد الضرب الشديد إليها، وعدم اقتحامها اقتحاما كما حدث في محاولة «ووكوب» الأولى.

وعلى كل حال، وسواء كان «مسيت» أو «فريزر» أو القواد البحريون أو كل أولئك جميعا مسئولين عن إخفاق الحملة ضد رشيد، فقد صار موضع اهتمام «فريزر» بعد عودة جيشه المنهزم إلى الإسكندرية، هو التفكير الآن في خير الوسائل التي يمكن بفضلها على الأقل تنفيذ التعليمات الصادرة إليه بشأن البقاء في احتلال الإسكندرية.

الفصل الرابع

تخطي العاصفة: جلاء الإنجليز عن

الإسكندرية

ناپیژندل شوی مخ