194

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

وهكذا انتهت معركة الحماد الفاصلة بعد قتال بدأ في السابعة من صبيحة يوم 21 أبريل، واستمر ثلاث ساعات بتمامها، وكانت خسارة الإنجليز فادحة، فلم ينج من الموت من رجال «تارلتون» وعددهم 247 رجلا سوى خمسين فحسب، لم يكن منهم من غير جراح سوى سبعة عشر جنديا، وأما خسائر الإنجليز الإجمالية في هذه المحاولة الثانية ضد رشيد فكانت 38 ضابطا، منهم 22 أسرى في قلعة القاهرة، بينهم «تابرنا» و«ديلانسي» و«فوجلسانج» وبلغ عدد الجرحى منهم أربعة، ومن بين هؤلاء «ماكاي» «وموهر» ثم 7 في معسكر الأرنئود منهم خمسة جرحى أحدهم «سوننبرج»، ثم تسعة قتلى من بينهم «ماكليود» وتارلتون، وأما أسرى الجنود في قلعة القاهرة فقد بلغوا 466 من بينهم 26 جاويشا، ويؤلف قسما من هؤلاء الأسرى ستون وقعوا في قبضة الأرنئود أثناء المحاولة الأولى ضد رشيد، واثنان من ضباط البحرية، وثمانية من البحارة الجنود، وفيما عدا ذلك فقد بقي 49 في أسر الأفراد العاديين الذين اعتبروهم رقيقا، وتصرفوا فيهم من بيع وشراء كعبيد.

وأما الأسرى الإنجليز فقد أرسل فريق منهم في السفن إلى القاهرة، وكان أكثرهم جرحى، ولما لم يوجد أطباء أو جراحون للعناية بأمرهم، فقد وصل هؤلاء إلى بولاق بعد رحلة استغرقت ستة أيام في حالة محزنة، وقد أشرف بعضهم على الموت، ومات فعلا فريق منهم، وأما سائر الأسرى فقد ساروا برا إلى القاهرة، وعانوا مشقات عظيمة أثناء هذا السير، وقد انتابتهم الحمى، وأنهك قواهم التعب والمرض، وقد وصف الشيخ الجبرتي دخولهم إلى القاهرة، فذكر في حوادث يوم 24 أبريل حضور الأسرى وعدتهم تسعة عشر شخصا، وعدة رءوس، فجروا بهم من وسط الشارع الأعظم، وأما الرءوس فمروا بها من طريق باب الشعرية، وعدتها نيف وثلاثون رأسا وموضوعة على نبابيت، رشقوها بوسط بركة الأزبكية مع الرءوس الأولى التي وصلت بعد الهجوم الأول على رشيد، صفين على يمين السالك من باب الهواء إلى وسط البركة وشماله، وفي يوم 26 أبريل وصل أيضا تسعة أشخاص أسرى من الإنجليز وفيهم فسيال (أي ضابط)، وفي 27 أبريل وصل أيضا نيف وستون، وفيهم رأس واحد مقطوع، فمروا بها على طريق باب النصر من وسط المدينة، وهرع الناس للتفرج عليهم، وبعد الظهر أيضا مروا بثلاثة وعشرين أسيرا وثمانية رءوس، وبعد العصر بثلاثة وعشرين رأسا وأربعة وأربعين أسيرا من ناحية باب الشعرية، وطلعوا بالجميع إلى القلعة، وفي يوم 30 أبريل وصل إلى ساحل بولاق مراكب وفيها أسرى وقتلى وجرحى، فطلعوا بهم إلى البر وساروا بهم على طريق باب النصر، وشقوا بهم من وسط المدينة إلى الأزبكية، فرشقوا الرءوس بالأزبكية مع الرءوس الأول وهم نحو المائة واثنين وأربعين، والأحياء والمجاريح نحو المائتين وعشرين، فطلعوا بهم إلى القلعة عند إخوانهم، فكان مجموع الأسرى أربعمائة أسير وستة وستين أسيرا، والرءوس ثلاثمائة ونيف وأربعين، وفي الأسرى نحو العشرين من فسيالاتهم. (11) مسئولية «فريزر» و«مسيت»

وكان طبيعيا بعد هذه الكارثة التي نزلت بالإنجليز أن يسعى المسئولون منهم عن وقوعها للتخلص من تبعتها، وقد كان «فريزر» أول من فعل ذلك، وراح يلقي هذه التبعة على «مسيت» الذي ألح من مبدأ الأمر في ضرورة الاستيلاء على رشيد، وصار يؤكد لقائد الحملة أن المماليك حاضرون لنجدته، وأن الأهلين سوف يرحبون بجنده في كل مكان، كمحررين ومنقذين لهم مما هم فيه من عسف وظلم، ولم يتوان «مسيت» من جهته عن دفع هذه التهم عنه وتبرير مسلكه، مظهرا في الوقت نفسه الأسباب التي أدت - في نظره - إلى هزيمة الجيش، وهي أسباب مبعثها عجز القيادة العامة الذي ظهر عند تجهيز الحملة الموجهة ضد رشيد، وأثناء العمليات العسكرية ذاتها، ويلقي ما دار من نقاش بين الرجلين فيما تبادلاه من رسائل وقتئذ، أو ما بعثا به من تقارير إلى حكومتهما في لندن ضوءا كبيرا على حقيقة الأسباب التي أفضت إلى وقوع كارثة الحماد في 21 أبريل 1807.

فقد كتب «فريزر» إلى «مسيت» مساء يوم المعركة نفسه، ومن مقر قيادته على ظهر السفينة الحربية «كانوب» في خليج أبي قير يقول: «لقد وصلني أمس مساء خطابك الأول المؤرخ في 20 أبريل إلى اللفتنانت كولونيل «أيري»

Airey

يحمل أخبارا عن زحف جند الأرنئود من القاهرة - والإشارة هنا إلى المعلومات التي بلغت «مسيت» عن مرور جند الباشا ببلدة فوة يوم 18 أبريل في طريقهم إلى رشيد - وقد بعثت به فورا إلى الجنرال «ستيوارت»، وكذلك رسالتك الثانية بتاريخ أمس، وكتابك إليه قد وصلاه هذا المساء، ولقد قرأتهما بإمعان، وفيما يتعلق بالعربان البدو فليس لدي ما أفعله سوى إبداء أسفي على أني لم أوضع في وضع يمكنني من اتخاذ قدر أكبر من الحيطة والحذر في علائقي معهم؛ لأني لو فعلت لامتنع وقوع ما حدث لأولئك الضباط والجند المنكودين الذين وقعوا في أيديهم، ولم يدر بخلدي بتاتا حتى سمعت بهذا الحادث، أنه قد تقع مثل هذه الفعلة، أو أنه من الممكن وقوع هذا الحادث بتاتا في المكان الذي وقع فيه، وأنتهز هذه الفرصة لأذكر لك أني أشعر عموما، والجيش الذي تحت قيادتي بأننا في هذه اللحظة نجد أنفسنا في ورطة كريهة، فقد انسقت إلى الاعتقاد بأن أهل البلاد جميعهم - باستثناء الأتراك والأرنئود - أصدقاء للإنجليز، وسوف يعاونوننا في تحريرهم من نير الاستبداد الذي فرضه عليهم ظالموهم، ولكنه بدلا من ذلك لم يتقدم رجل واحد منهم لمعاونتنا.

وما كان يغريني على الانحراف عن الطريق الذي رسمته أصلا التعليمات الصادرة بدرجة السير إلى رشيد سوى ما قدمته أنت من اعتبارات بقوة، ثم إنه يقينا ما كانت هذه الاعتبارات التي ذكرتها أنت لتحدث الأثر المنشود لو أنها لم تكن مصحوبة كما حدث بتأكيدات قاطعة بأن رشيد سوف تسلم تسليما عند ظهور الجيش البريطاني أمامها، لقد كنت أنت مخدوعا كما كنت أنا بدوري مخدوعا في ذلك؛ لأنه وإن كان من المحتمل أن يكون تهور الجنود بدرجة أكثر مما ينبغي قد أفضى إلى الفشل فعلا، فإنه من جهة أخرى، لم يقم أقل دليل على أن الحامية في رشيد كانت تنوي تسليم المكان دون أن تستنفد قبلا كل قواها في الدفاع عنها ، وتضطر إلى التسليم اضطرارا - والإشارة هنا إلى الحوادث المتصلة بفشل الهجوم الأول على رشيد - وكان بعد هذا إذن، ونظرا لقلة القوات التي لدي إن صح عزمي لدرجة كبيرة على عدم المجازفة بأرواح جنودي في مجازفة ثانية، ولم يصرفني عن عزمي سوى ما قدمته لي شفويا، وبصورة رسمية من اعتبارات، بالإضافة إلى ما قدمه باسم أهل الإسكندرية الشوربجي، أو رئيس القضاة بها، الأمر الذي أغراني بالقيام مرة أخرى بالهجوم على رشيد؛ حيث إنك قد ذكرت ثانية أن المجاعة أمر محقق، إذا بقي الجيش في البلاد الإسكندرية من غير امتلاك رشيد ... إلخ ... وحيث إنك ذكرت - علاوة على ذلك - أنك واثق كل الثقة أن ظهورنا ثانية أمام رشيد بقوات تبعث على الاحترام، وإطلاق القنابل والرصاص على المدينة كفيلان بتسليمها إلينا فورا، فكان بناء على هذا الاستحثاث، وهذه اللجاجة أن قمت بهذه المحاولة الثانية، ولكنه على ما يبدو، وكما يتضح حتى الآن، وبالرغم من كل الجهود التي بذلناها دون نجاح أفضل، والحقيقة أن الواجب كان يحتم علي بسبب ما نتكبده يوميا من خسائر في رجالنا دون طائل، أن أرغب قبل الآن بمدة أن أسحب جندي من رشيد لولا أن جعلتني رسائل المماليك - وقد جاءتني هذه عن طريقك - أتوقع تعاونا سريعا وفعالا من جانبهم معنا، ولكن حتى في هذا لم ألق للآن سوى خيبة الأمل، ولما كان احتمال نزولهم من الصعيد ضئيلا، والتقارير تترى عن مجيء النجدات من القاهرة للانضمام إلى العدو، فإني أخشى ألا يكون هناك معدى - بحكم الضرورة غير المرضية - عن إصدار الأمر للجنود بالارتداد إلى الإسكندرية، معرضهم بذلك هم وأهل الإسكندرية لتحمل كل ذلك البلاء الذي ذكرته أنت، وأوضحته رسميا، وأما فيما يتعلق بالحصول على الغلال من مشايخ العربان، فإني أخشى تعذر الاعتماد على هؤلاء في ذلك بتاتا، وإذا حدث اتخاذ هذا الإجراء سالف الذكر، ويبدو أن هناك كل احتمال لاتخاذه، فإني لا أرى هناك أي أمل: لا في قدرتهم على إمدادنا، ولا حتى في رغبتهم في ذلك.

وصفوة القول أني لا أجد أمامي سوى طريق واحد لاتباعه، إذا أرغمت على الانسحاب من أمام رشيد، هو ترك هذه البلاد ومبارحتها فورا، وذلك ليس لإنقاذ أنفسنا فحسب، بل ولإنقاذ أهل الإسكندرية التعساء كذلك من الموت جوعا، وإني إذ أذكر هذا لك في ثقة تامة إنما أبغي أن أعدك لتوقع ما قد يكون عليه الحال فعلا.»

وواضح من هذا الكتاب أن «فريزر» في مساء يوم المعركة لم يكن يدري شيئا عنها، ويقينا لا يدري شيئا عن نتيجتها، وإن كان قد توقع بسبب الأخبار التي بلغته عن مرور النجدات الآتية من القاهرة ببلدة فوة في طريقها إلى رشيد، أن اشتباكا قد يقع بينها وبين قوات الجنرال «ستيوارت» وأن هذا الأخير قد يضطر إلى رفع الحصار عن رشيد والانسحاب إلى الإسكندرية، وتلك هزيمة لا سبيل إلى منعها، ومعناها استحالة امتلاك رشيد وقلعة جوليان والرحمانية؛ أي الأماكن التي أصر «مسيت» على ضرورة احتلالها لتأمين الجيش البريطاني بالإسكندرية والإسكندريين أنفسهم من خطر المجاعة، ويترتب على هذه الهزيمة - في نظر «فريزر» - ضرورة الجلاء فورا عن الإسكندرية.

ولا جدال في أن شعور «فريزر» بخطورة الموقف - وهو شعور جاء متأخرا - قد جعله يستعرض مع نفسه الأسباب التي أقنعته بخرق التعليمات التي لديه بالدرجة التي وافق فيها على القيام بمحاولتين ضد رشيد فشلت أولاهما، وصار من المتوقع يقينا فشل ثانيتهما، ولم يفت عليه أنه لا مناص من تحديد البواعث التي جعلت خرق تعليمات حكومته ممكنا، وتعيين الأسباب التي أفضت إلى هذه الهزيمة، وقد شرحت رسالته إلى «مسيت» هذه البواعث والأسباب، وقد بسطها «فريزر» بصورة حملت «مسيت» نفسه مسئولية الفشل لأمور أربعة معينة، أولها: لجاجة «مسيت» في وجوب احتلال رشيد لتجنيب الإسكندرية خطر المجاعة، وثانيها: زعمه بأن رشيد سوف تفتح أبوابها مرحبة بالغزاة البريطانيين بمجرد ظهور هؤلاء أمام أسوارها، وثالثها: قوله بأن المصريين - عموما - يكنون صداقة عظيمة للبريطانيين ويعتبرونهم محررين ومنقذين لهم من طغيان الأرنئود واستبدادهم بهم، وأنهم لذلك سوف يرحبون بهم، ويسدون لهم كل معاونة، ورابعها: تأكيده بأن المماليك سوف يأتون لا محالة لنجدة الإنجليز، وتلك ولا شك كانت عوامل حاسمة في فشل عمليات الإنجليز ضد رشيد، لا سيما عدم نزول المماليك من الصعيد، ولا تقل في خطورتها عن العوامل الأخرى التي سببت الهزيمة، وأهمها عجز نظام المخابرات الذي أنشأه «مسيت» نفسه، والطريقة التي اتبعت في إرسال الأنباء والمعلومات إلى معسكر الجنرال «ستيوارت»، ثم ما ظهر من أخطاء عسكرية فنية، سواء عند اختيار مواقع الجيش في الحماد وأمام رشيد وقواعد تموينه ومخازن إمداداته على بحيرة إدكو، أو أثناء عمليات حصار رشيد ومعركة الحماد.

ناپیژندل شوی مخ