193

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

أما «ماكليود» فقد كان الواجب عليه وفق الخطة الموضوعة مع «ستيوارت» في مساء 20 أبريل، أن يبادر بالانسحاب من موقعه، إما إلى مرتفعات رشيد وإما إلى طرف البحيرة، إذا تبين له أن الموقف لا يزال على خطورته صباح يوم 21 أبريل، ولكن «ماكليود» الذي بلغه في نفس مساء 20 أبريل أن قوارب العدو محتشدة في النيل، لم يأبه لهذه الأخبار وتصرف تصرفا غير حكيم، بعدم الانسحاب فورا، وتجنب الاشتباك مع عدو متفوق عليه، ولا يسفر الالتحام معه في معركة إلا عن هزيمة محققة، حتى إذا شهد «ماكليود» بنفسه في صباح يوم 21 أبريل، أن حوالي المائة من قنجات الأرنئود مع مركبين كبيرين مسلحين بالمدافع محتشدة في النهر على مسافة نصف ميل من موقعه، وتبين له فوات الفرصة في الانسحاب والتقهقر بقدر من الاطمئنان إلى نجاح هذه العملية، بادر باتخاذ الترتيبات الأخيرة للدفاع عن موقعه بصورة تمكنه من التقهقر دون خسائر فادحة، ولكن «ماكليود» ارتكب عدة أخطاء عند إجراء هذه الترتيبات الأخيرة، لم تلبث أن مكنت العدو من هزيمته هزيمة منكرة.

حقيقة كثرت الثغرات في خطوطه في كل مكان، وكان موقعه ضعيفا ولا يسمح بالصمود في الدفاع عنه طويلا، ولكنه - على الأقل - كان يعطي فسحة من الوقت لتدبير عملية التقهقر في نظام إذا عرف القائد كيف يضع خطة محكمة للدفاع عنه، فقد وقعت الحماد خلف القناة، ثم كان من شأن ضيق شوارعها ودنو مساكنها الشديد من بعضها بعضا، أن يجعل منها إذا احتلت احتلالا قويا نقطة دفاع طبيعية، ومركزا للمقاومة، يستعصي على العدو إخضاعه بسهولة، فتتاح الفرصة عندئذ لجمع الفصائل - وكان عددها ثلاثا - المكلفة بحراسة الموقع من ناحية البرزخ الذي سبق الحديث عنه، ثم جعلها تنسحب إما إلى جهة أبي منضور، وإما إلى البحيرة (بحيرة إدكو)، فيكفي قيام حوالي المائة بالدفاع عن الحماد إلى النهاية؛ لإنقاذ سائر زملائهم، ولكن «ماكليود» سلك طريقا آخر في ترتيباته، فكلف الميجور «فوجلسانج» بمغادرة المركز الذي كان به على اليسار، والذهاب بجنده لاحتلال مرتفع يقع على مسافة ثلاثة أرباع الميل تقريبا خلف وسط الخط، ثم أمر الكابتن «تارلتون» الارتداد من موقعه في اليمين إلى الموقع الذي كان به الميجور «موهر»

Mohr

في الوسط، وذلك بالمرور خلف ضفتي أو شاطئي القناة، ثم ذهب «ماكليود» بنفسه إلى موقع «موهر»، وأمره بسحب الجنود الستين الذين كانوا يحتلون قرية الحماد ذاتها، وهكذا دلت هذه الخطوات السريعة والمرتجلة على أن «ماكليود» إنما أراد من ذلك وضع جيشه بأكمله خلف البرزخ، حول الموقع الذي كلف «فوجلسانج» بالوقوف فيه، وذلك لجعل الجيش المجتمع في هذه النقطة ينسحب بعد ذلك للانضمام إلى جيش «ستيوارت» عند رشيد، ولكن العدو الذي لم يلق أية مقاومة لم يترك لماكليود الوقت الكافي لتنفيذ خطته.

فإنه بمجرد أن لاحظ فرسان الأتراك أن الإنجليز قد أخلوا أماكنهم الواقعة إلى يسار مركزهم، قاموا في التو والساعة بهجوم عنيف عليه، وتمكنوا بفضل استدارتهم خلف ضفتي القناة من عزل قوات «فوجلسانج» عن قوات «موهر»، ولما كان «تارلتون» قد غادر مركزه كذلك للارتداد إلى موقع «موهر»، فقد استدار حوالي خمسمائة من فرسان العدو خلف ميمنة خطوط الإنجليز، وشنوا هجوما قويا على السريات أو الفصائل الثلاث بتلك الجهة، وذلك بينما استولى المشاة الأتراك والأرنئود على قرية الحماد ذاتها دون قتال ، ثم زحفوا صوب ضفتي القناة دون أن يلقوا أية مقاومة، وكان «ماكليود» بعد مغادرته «موهر» قد ذهب إلى «تارلتون» فقابله مع جنده والأخير في طريقه إلى موقع «موهر»، حسب التعليمات التي أعطيت له منسحبا إلى الوسط ، ولما كان فرسان العدو على وشك أن يطوقوا «ماكليود» و«تارلتون»، فقد أوقف الأول سير الجند، وشكل منهم مثلثا تستند قاعدته على القناة، وبعث في الوقت نفسه بالكابتن «ديلانسي» إلى «موهر» يأمره بإخلاء الممر أو معبر القناة الذي كان يحتله هذا الأخير أمام قرية الحماد، والذي كان الأرنئود قد بدءوا يطوقونه، وقد نفذ هذا الأمر فورا، ولكن في سرعة أشاعت الاضطراب والفوضى في الصفوف، واحتل الأرنئود ضفتي القناة وتمكنوا من هذا المرتفع من إصلاء الإنجليز نارا حامية، كما أطلقت النار عليهم من القرية بشدة، وأمر «ماكليود» باحتلال المرتفعات ضفتي القناة ولكن دون طائل؛ لأن فرسان العدو ضيقت تضييقا شديدا على جنده، وتزايدت الفوضى في صفوف الإنجليز تبعا لتزايد هذا التضييق عليهم، وحصدتهم نار الأرنئود حصدا، وأصابت «ماكليود» رصاصة أردته قتيلا، واستمر القتال مدة ساعة تعالت في أثنائها صيحات الرعب والفزع، مختلطة بأنين الجرحى وحشرجة القتلى، وسقط في الميدان «تارلتون» وغيره من كبار الضباط، وتسلم الكابتن «ماكاي»

Mackay

القيادة، وكان هذا قد أصيب بجرحين قبل ذلك، ووجد «ماكاي» من العبث محاولة الاحتفاظ بالمرتفعات، فأمر بالانسحاب منها إلى سهل على مسافة قريبة إلى الوراء، فلم يبلغ هذا السهل سوى خمسين فحسب، أكثرهم مثخنون بالجراح.

ثم قرر «ماكاي» الاتصال بقوات «فوجلسانج» الذي كان مركزه كذلك ميئوسا منه، فلم يستطع سوى خمسة فقط الوصول إليه، وقتل الباقون وأسروا وأصيب «ماكاي» بجرحه الثالث، وأنقذ بصعوبة، ثم وقف القتال فترة حتى ينتهي الأرنئود من قطع رءوس القتلى، وأخذ ما وجدوه من أسلاب وغنائم، وعندما استؤنف القتال تحول الأرنئود إلى مهاجمة «فوجلسانج» الذي وقف بقواته في شكل مربع، وقد صح عزم جنده على المقاومة إلى آخر قطرة من دمائهم، ولكن هؤلاء كانوا يحتلون تلا من كثبان الرمال يحيط به زغل، استطاع منه العدو زحزحة الجنود الإنجليز من هذا التل واحتله مشاة الأرنئود بدلا منهم، وتعرض الإنجليز لهجوم فرسان العدو إذا حاولوا ترك مراكزهم، فاضطروا إلى الصمود بمربعهم؛ لتلقي نيران العدو، حتى إذا انقضت ساعة ونصف الساعة والقتال دائر على أشده، كان العدو وقد فرغ من نصب أحد المدافع التي استولى عليها، فبدأ الضرب بهذا المدفع على الإنجليز، وقد كفت طلقتان منه لإزعاج مربع الإنجليز إزعاجا كبيرا، وكان معنى التقهقر في هذه الظروف التعرض لكارثة محققة، كما كان معنى الصمود والبقاء استمرار تحمل الجيش لخسائر فادحة من جراء تعرضه لضرب العدو المتصل عليه، وقد ظهر في هذا الموقف الدقيق ما كان لبنادق الأرنئود من مزية التفوق في المرمى على بنادق الإنجليز، ثم حدث في اللحظة التي أحاط فيها فرسان العدو بالجيش من كل جانب أن صدر الأمر بوقف النار، وشهد الجنود بعد ذلك «فوجلسانج» يخرج من الصفوف يلوح بمنديل - علامة التسليم ويضم إلى صدره المبعوث الذي أرسله العدو للمفاوضة، فكانت دهشة الجنود كبيرة، وصمم فريق منهم على القتال إلى النهاية، واستمروا يطلقون رصاصهم على العدو ولكن دون طائل، بل إن الأرنئود بمشاتهم وفرسانهم ما لبثوا أن اخترقوا المربع من كل جهة، فطغت جموعهم على هؤلاء، وقبضوا على فريق منهم، وحاولوا إرغام الباقين على إلقاء سلاحهم، ولكن هؤلاء الأخيرين رفضوا؛ لأنهم ما كانوا يتوقعون أن يرحمهم الأرنئود، ومع ذلك، وعلى حد قول أحد أسراهم في هذه المعركة الشاويش «ووترز»

Waters

من الآلاي الثامن والسبعين: سرعان ما وجد هؤلاء أنفسهم مخدوعين في هذه المسألة؛ لأنهم بعد أن عوملوا بقسوة في أول الأمر، وسلبهم العدو حتى عراهم من ملابسهم، فإنه ما إن فرغ الأرنئود من أخذ أسلابهم، وتم نقل جميع الأسرى إلى مسافة كافية في المؤخرة، إلى مكان عرف الأرنئود أنهم سوف يكونون فيه آمنين على أنفسهم، حتى تغير مسلكهم، وعاملوا في رفق ولين وكرم غير عادي كل أولئك الأسرى الذين لم يظهروا العناد، ولما كان «ووترز» قد سجل هذه الحقيقة في رسالة بعث بها من القاهرة في 9 مايو إلى أحد زملائه - على ما يبدو - بالإسكندرية، فقد استمر يقول: «ولنا أن نسدي الشكر للمولى تعالى ونحمده على نعمائه، لقدرته جل جلاله على إدخال الرحمة والشفقة في قلوب أعتى القساة؛ حيث إننا لا نزال نلقى نفس المعاملة من العدو من ذلك الوقت إلى هذه اللحظة، بما يتفق وما جرت به العادة من معاملة أسرى الحرب، بل وفي بعض الحالات أفضل بكثير من ذلك.»

ناپیژندل شوی مخ