190

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

أما إبراهيم بك فقد كتب إلى «فريزر» في 21 أبريل، بأنه قد تسلم رسالة هذا الأخير الذي يقول فيها إنه جاء إلى هذه البلاد لإنقاذها من الفرنسيين، وإعادة السلام والهدوء إليها، ويريد منه (أي من إبراهيم) إرسال خمسة أو ستة بكوات مع أتباعهم إلى البحيرة والمنوفية لمنع الجند الذين في رشيد من التقهقر إلى القاهرة.

ثم شرع إبراهيم يوضح الأسباب التي تمنعه من إجابة هذا الطلب، فقال: «إن صنيع الإنجليز معنا ليفرض علينا حتما أن نفعل كل ما في طاقتنا وقوتنا لإرضائهم، ولن ينسى معروفهم ما دام هناك مماليك أحياء، ونحن مهما فعلنا لن نوفي حق الإنجليز علينا، ولكننا نرجو منك العفو والصفح، إذا كنا لا نستجيب في الوقت الحاضر لملتمسك منا، فأنتم تعرفون كل ما وقع بنا خلال السنوات العشر الماضية منذ مجيء الفرنسيين إلى هذه البلاد، وتعرفون أننا نعيش في الصحراء، وبعيدين لمسافات طويلة عن بيوتنا وأسراتنا بالقاهرة، ولقد كان بفضل وساطة الإنجليز أن نلنا مرتين صفح السلطان العثماني عنا، وقد ألغي هذا العفو في كل مرة بسبب المال والهدايا التي أعطاها أعداؤنا لوزراء الباب العالي، ولم تتح لنا الفرصة بتاتا لشراء هذا العفو ثانية، فلم يعد هناك مناص من العيش في الصحراء والبقاء بها بعيدين عن زوجاتنا وأسراتنا، ولقد كان من أجل تأمين هؤلاء على سلامتهم أن رضينا نحن بهذه التضحية؛ ولذلك فلو أننا بعثنا ببعض بكواتنا للانضمام إليك، وأنت الآن على هذه المسافة البعيدة بعدا عظيما منا، لبلغ خبر ذلك القاهرة سريعا، وأنت ولا شك أدرى بخلق جند العدو المجلوبين من كل أمة، وهم من اللصوص والنهابين الذين لا يرعون إلا ولا ذمة، ولا يعرفون القانون، والذين سوف ينتهزون هذه الفرصة للقبض على زوجاتنا واغتصابهن، ثم إن مديرية الشرقية إقليم واسع الأرجاء، والسبل واسعة لتقهقر العدو منها (من رشيد)، ونحن خائفون على سلامة أسراتنا التي قبلنا بسببها ما نحن فيه من حرمان كثير منذ غزو الفرنسيين للبلاد، والتي سوف تتعرض لإهانات أعدائنا، وعندما تستولي أنت على رشيد، سوف نأتي - إذا وافقت على ذلك - إلى الشرق من القاهرة، بينما تزحف أنت على شاطئ النيل الغربي للانضمام إلينا، وترسل إلينا عند وصولك إلى الجيزة ما يفيد ذلك، فنحضر نحن لمقابلتك في يوم يصير تحديده عند إمبابة، وهناك تتحد قواتنا معكم ضد العدو، وبهذه الطريقة لا يستطيع العدو إلحاق الأذى بعائلاتنا.

ونسأل المولى تعالى بفضل مساعدتكم أن ننال النصر على أعدائنا، ورجائي لك أن تقبل الأسباب التي أبديتها والتي جعلتنا لا نجيب ما طلبته منا، فابعث لنا بما يعرفنا عن المكان الذي سوف نقابلكم فيه، وحسبنا أن يتقرر الموعد أو اليوم الذي يجب علينا أن نكون فيه في النواحي القريبة من القاهرة، حتى لا يجد العدو متسعا من الوقت لإلحاق الأذى بأسراتنا، ولا يجب أن تظن أننا إنما نريد - لا سمح الله - انتحال الأعذار انتحالا، فسوف نحضر طاعة منا لأوامرك، ولن نفعل شيئا قد يسبب غضبك علينا، ولو اقتضى الأمر تضحيتنا بحياتنا، وإذا كنا حتى هذا الوقت لم نرسل إليكم بعضا من أقوامنا فمرد ذلك إلى الأسباب التي ذكرناها لكم، لقد سبق لكم أن شهدتم القاهرة من بضع سنوات مضت، ولكن اليوم ليس بها ثلث سكانها الذين كانوا قبلا بها.» ثم عاد إبراهيم يكرر القول في وصف الجنود العثمانيين الذين راح يؤكد أنهم لا يخشون الله والناس، ولا يقيمون مثقال ذرة لحياة البشر، ولكن الله تعالى سوف يعاقبهم، وطلب إبراهيم في ختام رسالته أن يرد عليه «فريزر» دون إبطاء.

وأما شاهين بك الألفي فقد بعث إلى «مسيت» برسالتين من بني سويف إحداهما في 22 أبريل، والأخرى في 23 أبريل، يأسف في الأولى على ذهابه إلى أسيوط، ومغادرته الدلتا بعد وفاة الألفي الكبير - في الظروف التي سبق ذكرها - لأن الحملة الإنجليزية ما لبثت أن حضرت بعد ذهابه، فكان ذلك على نحو ما قال يقينا من سوء حظه العظيم، ومع ذلك فإنه ما إن علم بمجيء الإنجليز حتى قرر النزول من الصعيد والانضمام إليهم، ثم استطرد يقول: «ولكنه لأساه العظيم وحزنه وقهره قد أرغم إرغاما على تأجيل تنفيذ رغبته حتى يقنع سائر البكوات بالنزول معه، وقد لجأ إلى مختلف الحجج والدعاوى لإقناعهم بذلك، ولكن من غير طائل، وهو لا يدري السبب الذي منعهم من اتباعه أو ماذا يدور في أذهانهم، فقد رفضوا رأيه، وتعب من عنادهم، وصارت رغبته الملحة اللحاق بأصدقائه الذين سبقوه من بضعة أيام مضت في السير صوب الدلتا، فترك البكوات ووصل الآن إلى جوار بني سويف، ومن المنتظر أن يكون في حدود الجيزة بعد أربعة أو خمسة أيام.» وقال شاهين: «إن إبراهيم بك، وسائر البكوات قد كتبوا إلى «مسيت» وهو لا يعلم أغراضهم أو نواياهم، ولكنه يعلم بناء على ما وقف عليه من أخبارهم أنهم قد قرروا عدم النزول من الصعيد حتى يبلغهم وصول جيش الإنجليز إلى الجيزة، وأن الجيش صار يضيق الحصار فعلا على القاهرة، ثم راح شاهين يؤكد صداقته للأمة الإنجليزية ويطلب حمايتها، ويرجو من «مسيت» السهر على مصالحه، وقد صاغ هذا في عبارات تنم عن الاستخذاء الذي كان مبعثه - ولا شك - إدراك شاهين أنه في حالة عجزه الراهنة يتعذر عليه إسداء أية معونة إلى أصدقائه الإنجليز، ولأنه كان هو الآخر كسائر البكوات لا يرى من الحكمة التقدم في زحفه إلى أبعد من الجيزة والقاهرة لا سيما بعد هزيمة الإنجليز الأولى، ولما كان قد قر رأيه على ترك عبء العمليات العسكرية يقع بأكمله على عاتق الإنجليز وحدهم، ودون أن يبذل أية تضحية من جانبه، وقد يكون النجاح حليفهم، وهو احتمال لا ينبغي عليه أن يغفله من حسابه، فقد خيل إليه أن الاكتفاء بترديد عبارات الصداقة قمين وحده بتأمين مصالحه، فقال: وأما فيما يتعلق بشخصي، فواجبك - مخاطبا «مسيت» - أن تعتقد، ولك أن تؤكد هذا لكل من يهمهم الأمر، بأني أعتبر الأمة الإنجليزية الصديق الوحيد لي، وهي حاميتي الوحيدة كذلك، ولن أعترف بسواها صديقا وحاميا لي، وهنا يحاول شاهين أن يزيل كذلك من ذهن «مسيت» الأثر الذي أحدثته علاقات شاهين ومفاوضاته مع «روشتي» ومندوبه «روفائيل» لطلب وساطة روسيا لدى الباب العالي في صالحه وحمايتها له.»

ثم استمر شاهين يقول: «ولا شك في أن الصداقة الوثيقة التي نشأت بينك (أي بين «مسيت») وبين سلفي محمد الألفي قد أعطتك الفرصة لا محالة للتعرف على آرائه وفكره، وشعوري هو نفس شعور محمد الألفي، ولن يتغير هذا الشعور أبدا؛ ولذلك فإني أعهد إليك بالإشراف على كل مصالحي بحكمتك، مقتنعا بأن صداقتك الوثيقة وغير المتغيرة سوف تجعلك لا تضن بأي جهد يتطلبه منك، وبقدر كل ما هو في استطاعتك وقوتك العمل لصالحي، وسوف أكون سعيدا لإبلاغك عواطفي هذه بنفسي عندما أحظى بلقائك.»

ثم إن شاهين لم يلبث أن كتب مرة أخرى إلى «مسيت» في 23 أبريل ومن بني سويف أيضا ردا على رسالتي «مسيت» - في 11 أبريل - إليه، وقد وصلته هاتان الرسالتان في ذات اليوم (23 أبريل)، إحداهما عن طريق إسماعيل أبي صخر، والأخرى أحضرها موسى أغا، وذكر شاهين أنه تسلم كذلك خطاب «مسيت» إلى شاهين بك المرادي البرديسي وخطاب «فريزر» إلى إبراهيم بك وقد بعث بهاتين الرسالتين إلى شاهين المرادي وإبراهيم مع علي كاشف ومحمد كخيا. ثم أخذ يسرد ما وقع من حوادث فقال: «وقبل وصول خطاباتكم هذه كنا قد قررنا النزول من الصعيد إلى الوجه البحري وحضرنا لهذا الغرض من أسيوط إلى المنيا التي وجدنا الأرنئود قد أخلوها، فأمضينا بها أربعة أيام، قررنا بعدها استئناف النزول صوب الدلتا، وأبلغت البكوات الآخرين أني سوف أسبقهم في السير، وفعلت ذلك، وكان في طريقي أن قابلت حاملي رسائلك السالفة الذكر، والتي بادرت بإرسالها مع علي كاشف ومحمد كخيا مصحوبة بخطاب مني ألح فيه على البكوات في ضرورة المجيء فورا، أو على الأقل أن يوفدوا بعض بكواتهم كما طلبتم، ثم إني طلبت من علي كاشف ومحمد كخيا أن يبذلا قصارى جهدهما؛ لإقناع البكوات بالنزول صوب الدلتا فورا، وقد استأنفت سيري بعد ذلك حتى وصلت إلى بني سويف.

وقد عاد علي كاشف ومحمد كخيا من المنيا برسالة من والدنا إبراهيم بك إلى الجنرال «فريزر» وأخرى إليك، أبعث بهما إليك عن طريق إسماعيل أبي صخر، ثم إن علي كاشف ومحمد كخيا قد أحضرا صورة من كتاب والدنا إبراهيم بك إلى الجنرال «فريزر»، كما ذكرا لي مخاوف البكوات من ناحية ما قد يقع من اعتداءات على أسراتهم في القاهرة، وأنه لما كانت رشيد لم تؤخذ، بعد فالجنود الإنجليز لا يزالون على مسافة بعيدة جدا من القاهرة، ويخشى لذلك إذا نزل البكوات صوب الإسكندرية أن يؤذي محمد علي عائلاتهم، والبكوات متأكدون من أنه إذا أخذ الإنجليز رشيد فهم سوف يزحفون على القاهرة، وسوف يذهب البكوات عندما يبلغهم خبر ذلك لمقابلتهم عند إمبابة في يوم يسبق الاتفاق عليه، وهم يرجون «فريزر» أن يخبرهم بهذا اليوم، ثم إنهم لا يجدون صعوبة في تنفيذ رغبة القائد الإنجليزي إذا أراد حضورهم على كل حال، ويرجون إرسال جواب على رسالتهم هذه حالا، ذلك إذن فحوى خطاباتهم واعتذاراتهم التي لها يقينا ما يعززها؛ لأن محمد علي قد هدد بالانتقام من عائلاتهم.»

ومع أن شاهين كان ينوي الاستمرار في السير شمالا، فقد كان الواضح من كتابه أنه هو الآخر لا يبغي التقدم إلى أبعد من الجيزة أو القاهرة، كما دل التماسه المعاذير لامتناع البكوات عن إجابة رغبات «فريزر» و«مسيت» أنه هو نفسه كان يذهب إلى نفس ما ذهبوا إليه، ثم إنه كان من الواضح كذلك أن حركة البكوات إطلاقا كانت متوقفة - قبل أي شيء آخر - على انتصار الإنجليز وأخذهم رشيد.

فقال شاهين: «وأما فيما يتعلق بشخصي، فإني أريد أن تكون أنت بدلا مني وأن تنوب عني في العمل لصالحي، وأرجوك أن تبلغ الجنرال «فريزر» أني الآن في بني سويف، وأنه حين يصلك هذا الكتاب أكون قد وصلت مع كل أتباعي إلى دهشور، فابعث إلي بأوامر الجنرال، حتى إذا كان علي أن استمر في السير بعد دهشور، فإني مستعد لفعل ذلك، وسوف يكون طبيعيا إذا بلغني سقوط رشيد أن أستلخص من ذلك أن الجنود الإنجليز صاروا قريبين، وسوف أسرع حينئذ للانضمام إليهم، وأما إذا كانت رشيد لم تؤخذ بعد فاكتب إلي بما يجب علي فعله لأني من دون البكوات جميعهم سوف أكون أقربهم إليك لوجودي وقتئذ بدهشور، ولأن هذه لا تبعد سوى ست ساعات عن إمبابة، وإبراهيم بك وسائر البكوات كذلك حاضرون؛ لأن علي كاشف ومحمد كخيا قد أكدا لي أنهم تركوا المنيا، وفي طريقهم صوب الدلتا لتلقي أوامر الجنرال «فريزر».» وقد اختتم شاهين كتابه بإسداء نصيحة ثمينة إلى «مسيت» وقواد الحملة، فقال: «وأرجو أن تبلغني سريعا خبر تسليم رشيد؛ لأنه كلما تأجل سقوطها أتيحت للعدو فرصة أكبر لتحصين وتقوية نفسه.»

ذلك إذا كان موقف البكوات الذين قال «ستيوارت» في 18 أبريل إن نجاح عملياته العسكرية ضد رشيد وفي الحماد متوقف على حضورهم لنجدته، والذين ظل هو و «فريزر» و«مسيت» وسائر ضباط الحملة يتوقعون قرب حضورهم لمعاونتهم بسبب المعلومات الخاطئة والمضللة التي صار يزودهم بها جواسيسهم، وقد وصلت رسائل البكوات إلى الإنجليز يوم 28 أبريل، ولكن الإنجليز عندما تسلموا هذه الرسائل كانت قد حلت بهم الهزيمة في واقعة الحماد، قبل ذلك بأيام قليلة، وهي الهزيمة التي قضت على كل أمل في إمكان حدوث أي تعاون عسكري بعد ذلك من جانب المماليك معهم، ولقد فشل نظام المخابرات الذي أوجده «مسيت» في إبلاغ قيادة الإنجليز أية تفصيلات دقيقة أو وافية عن الإجراءات التي اتخذها محمد علي في القاهرة لإرسال جيش حسن باشا والكتخدا بك «طبوز أوغلي» لملاقاة الإنجليز منذ عودته من الصعيد إلى القاهرة، أو عن مراحل تقدم الأرنئود في زحفهم صوب رشيد.

ناپیژندل شوی مخ