191

مصر په د نهیم پېړۍ پیل کې

مصر في مطلع القرن التاسع عشر ١٨٠١–١٨١١م (الجزء الأول)

ژانرونه

بل بلغ من اغترار الإنجليز بالأقوال الكاذبة، والشائعات الخاطئة التي نقلت إليهم، وأذيعت في معسكراتهم أنهم لما يأبهوا للخبر الوحيد الصحيح الذي جاءهم عن طريق الشوربجي، وفي الوقت المناسب بشأن استعدادات الباشا، وجمع كل قواته لإرسالها إلى رشيد لنجدتها، ثم إنهم ظلوا يعتقدون أن مواقعهم سواء في الحماد أو في رشيد لن يهاجمها سوى جنود غير نظاميين من السهل دحرهم وردهم على أعقابهم، والسبب في رسوخ هذا الاعتقاد في أذهانهم، إنما مرده إلى نفس الخلل السائد في نظام مخابراتهم، وكان من رأي بعض الإنجليز الذين اشتركوا في هذه العمليات العسكرية أنه لو كانت قيادتهم قد أدخلت في حسابها من مبدأ الأمر تعرض حملتهم لهجوم قوات نظامية عليها، أو أن للباشا في القاهرة جيشا يستطيع الالتحام مع جندهم في معارك جدية، لما جرؤت على إرسالها حملتيها الأولى والثانية ضد رشيد، ولنبذ العسكريون أية فكرة تدعو إلى امتلاك رشيد والاحتفاظ بها بكل احتقار كإجراء لا تقره فنون الحرب والقتال للظروف العديدة التي لابست إرسال هاتين الحملتين، والتي سبق الحديث عنها في موضعها.

ولقد سبق أن أوضحنا أن الجنرال «ستيوارت» لو علم في الوقت المناسب بحقيقة التجهيزات التي قام بها الباشا، ووقف على حركة العدو لسحب قواته ليس فقط من موقع الحماد، بل ومن رشيد كذلك، وآثر التقهقر إلى الإسكندرية إلى الالتحام في معركة لم يكن هو نفسه مؤمنا بكسبها، وأنبأت حوادث حصار رشيد ذاتها بسبب ضعف خطوط الإنجليز وصمود حاميتها بأنها سوف تكون لا محالة خاسرة، ولم يتبين الإنجليز خطورة مركزهم على وجهها الصحيح إلا عندما شاهدوا بأعينهم النجدات تأتي يوميا إلى رشيد، وقوات الأرنئود تتجمع على شاطئ النيل بالقرب من الحماد، ثم لم يحضر المماليك لنجدتهم.

وقد نقد فيما بعد كل من «ستيوارت» و«هالويل» نظام المخابرات السيئ هذا نقدا لاذعا، عندما قال الأول ضمن رسالة له إلى «فريزر» في 25 أبريل يفصل فيها عمليات المعركة وأسباب الهزيمة إن ما فعلوه خطأ من انتظار حضور المماليك لنجدتهم، ثم خديعة وتضليل مخبريهم لهم عموما قد أخذت تبدو آثارهما، حيث توقف النصر والنجاح على مدى صداقة العربي أو المصري لنا، وتلك ملاحظة يؤكد صدقها ما وقع من حوادث، فإنه بدلا من أن نجد أنفسنا وسط أصدقاء وحلفاء - كما أعطينا من الأسباب ما يجعلنا نتوقع ذلك - صارت كل قرية ترسل إلينا معلومات لا غرض منها سوى خديعتنا، بينما بقي حلفاؤنا المماليك بالصعيد ينتظرون - على ما يبدو - تحقق نجاح جيشنا، وأما «هالويل» فقد كتب إلى السير «توماس لويس» في 29 أبريل: «لقد كان من حقنا أن ننتظر بعض المساعدة من الميجور «مسيت» والسيد «بريجز»، اللذين كان ينبغي بفضل إقامتهما الطويلة في البلاد والمركز الذي لهما بها أن يكون لديهما الوسائل التي تمكنهما من الحصول على أوثق المعلومات وأصحها، ولكني أقول - بكل أسف - إنه نادرا ما كان يأتينا منهما أية أخبار بتاتا، وأن تلك الأخبار القليلة التي أبلغانا إياها لم تفد إلا في تضليلنا.»

وأما الخبر الصحيح والوحيد الذي ظفر به «مسيت» نفسه من نظام مخابراته الفاسد، بين يومي 10، 20 أبريل فقد أعلن إليه أن جيشا كبيرا من الأرنئود قد مر أمام بلدة فوة يوم 18 أبريل، قسم منه تحمله القوارب والقسم الآخر يسير برا في طريقه إلى رشيد، ولكن هذا الخبر جاء متأخرا، ومع هذا فقد كان من الميسور إنقاذ الجيش من هزيمة محققة، لو أنه أرسل في التو والساعة إلى الجنرال «ستيوارت»، ولكن «مسيت» الذي غادر المعسكر منذ 10 أبريل كان مقيما بالإسكندرية، ووجب نقل هذه المعلومات إلى الجنرال «فريزر» أولا، وهذا الأخير - كما ذكرنا - يتخذ من السفينة «كانوب» في خليج أبي قير مقرا لقيادته العليا، ثم وجب بعدئذ نقل الخبر إلى الجنرال «فريزر» أمام رشيد؛ وعلى ذلك فإن هذه المعلومات الهامة التي بلغت «مسيت» يوم 20 أبريل لم تصل «فريزر» إلا مساء اليوم نفسه، ثم لم تصل «ستيوارت» إلا يوم 21 أبريل؛ أي يوم المعركة، عندما صار لا نفع لهذه المعلومات ولا جدوى منها.

معركة الحماد

فقد بدأت منذ 19 أبريل خصوصا تتجمع النذر مؤذنة بقرب وقوع المعركة التي سوف تفصل لا محالة في مصير حملتهم، وترغمهم على الارتداد مقهورين إلى الإسكندرية.

ذلك أن جيش حسن باشا وجيش «طبوز أوغلي» اللذين افترقا عند منوف ليسير الأول على شاطئ النهر الأيسر، والثاني على شاطئه الأيمن صوب رشيد، قد وصلا الآن إلى جهة رشيد، وعبر جيش حسن باشا النهر عند «أدفينا» واتخذ موقعه بها، بينما وقف جيش «طبوز أوغلي» في برنبال على الشاطئ الأيمن للنيل، على مسافة قريبة من مرتفع الحماد، ولكنه يبعد نحو الفرسخين عن المدينة التي يفصلها عنه ثنية النهر (فرع رشيد) في هذه الجهة، وفي 19 أبريل زحف جيش حسن باشا من ديبي شمالي «أدفينا» صوب الحماد وهاجم يسار موقع الميجور «فوجلسانج»، واستطاع الإنجليز صد هذا الهجوم، وبينما كانت تجري هذه العمليات عند الحماد، لاحظ الإنجليز عند رشيد أن سوق معسكرهم قد أقفر تماما من البدو، كما بلغهم احتلال الأرنئود لقرية أدفينا، وتوقعوا أن يكون غرض العدو من احتلالها، إما لبداية العمليات الجدية على يمين خطوط الإنجليز في رشيد، وإما لاحتلال موقع يستطيع منه قطع المواصلات بين الإنجليز والمنطقة الداخلية التي كانت تأتيهم منها المؤن والإمدادات، وكان إقفار سوقهم في هذا اليوم النتيجة المباشرة لهذه العمليات؛ وعلى ذلك، فقد بادر «ستيوارت» بإبلاغ هذه المعلومات إلى «فريزر» الذي كان من رأيه أنه لا أمل في النجاح إذا نزل العدو إلى الميدان في قوات كافية، ويتحتم في هذه الحالة الاستعداد للانسحاب بأقل خسارة ممكنة، ورفض «فريزر» جلب مدافع أخرى إلى خط النار، إلا إذا توافرت الوسائل اللازمة لنقلها، ووجد العداد الكافي من الرجال لخدمتها في حالة الاضطرار إلى الانسحاب أمام العدو، وأعلن «ستيوارت» في الوقت نفسه عزمه على تعزيز مركز الحماد، واستطلاع مراكز العدو في «أدفينا» لمعرفة ما إذا كان ممكنا طرده منها دون مجازفة؟ على أن الأرنئود قاموا في صباح هذا اليوم نفسه (19 أبريل) بخروج في قوات فاقت كثيرا تلك التي خرجت مع علي بك السنانكلي يوم 11 أبريل وجرح هذا الأخير أثناء هذه العملية، فوقع التحام شديد اشترك فيه «ديلانسي» و«أسولد» و«ريديل»

Riddel ، ثم حضر «ستيوارت» وتولى القيادة بنفسه، وأمر بمطاردة العدو الذي بدأ يتقهقر، ولكن الإنجليز لم يستطيعوا ملاحقة الأرنئود أو هزيمتهم؛ لأن مراكزهم كانت مكشوفة ومعرضة للنيران، وقد اعترف أحد رجال الآلاي الثامن والسبعين فيما بعد بأن بنادق الأرنئود كانت يفوق مرماها مرمى البنادق الإنجليزية، فلم يكن هناك مناص إذن من ارتداد الإنجليز أنفسهم، وأشار بهذا أيضا الكابتن «هالويل» فصدرت الأوامر بذلك، وما إن بدأ التقهقر حتى عاود الأرنئود الكرة، وخرج من رشيد أولئك الذين كانوا قد انسحبوا إليها، واشتد إطلاق الرصاص من الأسوار على الإنجليز، ولكن الأرنئود الذين حرصوا دائما على عدم الابتعاد عن أسوارهم، ما لبثوا أن أوقفوا مطاردتهم للإنجليز، وعادوا أدراجهم يهنئون أنفسهم على هذا النصر الذي أحرزوه.

وقد كفى ما وقع في هذا اليوم سواء في رشيد أو في الحماد لإقناع كل إنسان بأن الأرنئود قد قرروا قطعا اتخاذ خطة الهجوم، وكان في رأي بعض رجال الحملة أنه كان يجب عندئذ وبمجرد أن اتضحت نية العدو تقرير الانسحاب فورا إلى القاعدة أو المخزن الذي أقاموه على طرف بحيرة إدكو، فقد جاء في تقرير وضعه أحد هؤلاء أنه سوف يكون مبعثا للأسى والأسف دائما عند اتضاح أن الهجوم هو الخطة التي قررها العدو يوم 19 أبريل عدم وقف كل العمليات الجارية ضد رشيد وعدم إنزال مدفعيتنا الثقيلة إلى السفن في بحيرة إدكو، وعدم جمع فرق الجنود من المواقع والمراكز الأمامية والانسحاب فورا إلى القاعدة التي لنا على طرف بحيرة إدكو، لقد كان القمر ساطعا في هذه الليالي، والأتراك يغطون في النوم كعادتهم، ومن المتيسر لذلك إجراء كل الترتيبات اللازمة لنقل المدفعية والمخازن والعتاد أثناء الليل، وأن يجمع الجيش يوم 20 أبريل للتقهقر عسكريا بصورة مشرفة أمام القوة التي في وسع محمد علي إنزالها ضدنا في الميدان، وتلك كانت فكرة الجنرال «ستيوارت»، ولكن هذا القائد من غير أن تكون لديه أوامر محددة ومن غير أن يزوده قلم المخابرات بالمعلومات اللازمة لتنفيذ هذه الحركة، حتما صار لا يستطيع تحمل مسئولية عمل قد يستدل منه بصورة ما على أنه فاقد الثقة في نفسه أو في جنوده، فهو لدرجة معينة إنما يعمل مرءوسا لغيره، بينما قد ترك له في الوقت نفسه أن يقرر وحده إما المجازفة بسلامة جنده والالتحام مع العدو، وإما التخلي عن مشروع الحملة ضد رشيد وهو مشروع قيل وقتئذ إن سلامة مركزنا وأمنه في مصر، إنما يتوقف على تنفيذه، وقد ساء «ستيوارت» أن يجد نفسه في هذا الوضع المحرج، وآثر تأجيل الانسحاب إلى اللحظة التي يصير فيها الانسحاب إجراء تلزمه الضرورة، ويمكن فقط تنفيذه بتحمل خسائر فادحة.

وفي مساء 19 أبريل إذن بعث «ستيوارت» بالكابتن «تارلتون»

ناپیژندل شوی مخ