============================================================
وقال بعض العارفين : لما كان خلقه صلى الله عليه وسلم أعظم خلق.. بعثه الله تعالى إلى جميع العالمين، وعلم من كلام عائشة رضي الله تعالى عنها : أن كمالات خلقه صلى الله عليه وسلم لا تتناهي، كما أن معاني القرآن لا تتناهى، وأن التعرض لحصر جزئياتها غير مقدور لليشر، ثم ما انطوى عليه صلى الله عليه وسلم من كريم الأخلاق.. لم يكن باكتساب ورياضة، وإنما كان في أصل خلقته بالجود الإللهي والإمداد الرحماني الذي لم تزل تشرق أنواره في قلبه صلى الله عليه وسلم إلى أن وصل الى أعظم غاية وأتم نهاية واعلم : أن كمال الخلق إنما ينشأ عن كمال العقل؛ لأنه الذي به تقتبس الفضائل، وتجتنب الرذائل، والعقل لسان الروح وترجمان البصيرة، فهو جوهر الانسان، ولككن جوهره البصر: وفي " القاموس" - بعد الإشارة إلى الخلاف في تعاريفه-: (والحق: آنه نور روحاني، به تدرك النفوس العلوم الضرورية والنظرية، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ) اه والحديث المشهور: "أول ما خلق الله العقل، قال له: أقبل...4 إلخ: موضوع وعقل نبينا صلى الله عليه وسلم وصل في الكمال إلى غاية لم يصل إليها ذو عقل، ومن ثم روى آبو نعيم وابن عساكر عن وهب : آنه وجد في واحد وسبعين كتابا: أن الله لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه وسلم إلا كحبة رمل من بين رمال جميع الدنيا(1).
ومما يقطع بصحة ذلك سياسته صلى الله عليه وسلم للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة، وصبره على طباعهم المتنافرة المتباعدة، حتى قاتلوا دونه أهاليهم، وهجروا في رضاه أوطانهم وأحباءهم، مع أنه لم يطلع على سير الماضين، ولا تعلم من العقلاء المحدثين ، وفي هذذا ما في الذي قبله مما مرآنفا.
(1) حلية الأولياء (26/4)، وتاريخ دمشق (386/2).
مخ ۲۲۲