وأما القول بأن بغيه عن اجتهاد حتى تكون له أجر فترده الأحاديث الصحيحة عند أئمتنا وغيرهم من المحدثين، كحديث عمار المشهور.
أخرج البخاري عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس ولابنه: انطلقا إلى أبي سعيد [الخدري] فاسمعا من حديثه، فسمعناه يحدث حتى أتى على ذكر بناء المسجد
فقال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين فرآءه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ((ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار)) وهذا الحديث مما رواه المحدثون وأجمعوا[14ب] على صحته.
وأما قول الحميدي في (الجمع بين الصحيحين) إنه ليس في البخاري ((تقتله الفئة الباغية)) وأنه ليس فيه إلا ((يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار)) فمردود بما ثبت في نسخة (الضغاني) المقابلة على نسخة (الفريزي) التي بخطه ذكر ذلك ابن حجر في (فتح الباري)، وأثبت ذلك ابن الأثير في (جامع الأصول)، والسيوطي في جامعه، وروى هذا الحديث أحمد ومسلم والأربعة: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري وغيره من طرق كثيرة والترمذي أيضا من حديث خزيمة بن ثابت، والطبراني من حديث عمر وعثمان وعمار وحذيفة وأبي أيوب وزياد وعمرو بن حزم، ومعاوية وعبد الله بن عمر وأبي رافع ومولاة لعمار، وغيرهم.
قال ابن عبد البر: (تواترت الأخبار بذلك وهو من أصح الحديث).
وقال ابن دحية: (لا مطعن في صحته، ولو كان غير صحيح لرده معاوية).
وهذا الحديث قاض بانتفاء الأجر عن معاوية، وأنه وحزبه بغاة يدعون إلى النار إلا من تاب ورجع إلى الحق والصواب، وقد ثبتت أذيته لأمير المؤمنين [عليه السلام] ومحاربته له وإحداث سبه ولعنه على المنابر بحيث لا ينكر ذلك إلا مكابر والله سبحانه يقول: ?والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا?[الأحزاب:58]، وفي ذلك أحاديث كثيرة.
مخ ۹۵