ولقد تساءل بعض النقاد: لماذا اختار شوقي فترات الانحلال في تاريخ مصر والعرب، مع أن هدفه كان تمجيد مصر والعرب؟ حتى اتهمه الأستاذ عباس العقاد في نقده لرواية «قمبيز» بأنه قد اغتاب الشعوب، ولكن هذا النقد في الحقيقة مردود؛ وذلك لأن الكوارث هي التي تظهر معدن الناس، وكان شوقي يهدف إلى أن يظهر البطولة وسط تلك الكوارث، والفكرة في أساسها راجحة الصحة، ولا تثريب عليه في اختيار تلك الفترات كمادة أولية لمآسيه، وإنما يجوز البحث في كيفية استخدامه لتلك المادة الأولية، وهل نجح في الوصول إلى هدفه أم لا؟ وهنا يأتي مجال دراسة إلمام شوقي بالتاريخ، وطريقة استخدامه له.
ولقد قارن النقاد بين التاريخ ومآسي شوقي، وأحيانا نراهم يأخذون عليه استعباد التاريخ له على نحو ما فعل في «مجنون ليلى»؛ إذ أخذوا يلتقطون من كتاب «الأغاني» القصص والنوادر التي رويت عن قيس بن الملوح، ويضعونها إلى جوار أشعار شوقي، زاعمين أنه لم يكن له من فضل غير صياغة تلك الأخبار شعرا، ويعززون نقدهم هذا بأن كل تلك الأخبار لم يروها صاحب «الأغاني» على أنها تاريخ محقق، بل روايات شعبية كان الناس يتناقلونها في جزيرة العرب، وبخاصة في قبيلة بني عامر، ولم يكن هناك ما يدعو شوقي إلى التقيد بهذه الروايات، التي رأى نقاده أنها لا تخلو من سخف أحيانا، ومن إحالة أحيانا أخرى، مثل قصة احتراق ردائه وهو لاه عن نفسه في حديث له مع ليلى، حتى مست النار لحمه الحي، ومثل قصة الشاة التي أبى أن يطعمها؛ لأن خادمته كانت قد نزعت منها القلب، وذلك فضلا عن كثرة إغمائه وإفاقته، وقد كان شوقي يستطيع أن يكتفي بهيكل القصة، وأن يبتكر أعراض الغرام المبرح جسمية كانت أو نفسية، على نحو يشبع الثقافة العصرية والتفكير النفسي الحديث، بدلا من تلك التفاصيل السقيمة، على نحو ما فعل شكسبير مثلا في قصة «روميو وجوليت» التي تغلغلت في أعماق عاطفة الحب وعملها الدقيق المدمر في النفس البشرية، بل وفي أعضاء الإنسان الحسية، وهذا النقد وإن تكن له وجاهته، وبخاصة إذا ذكرنا أن شوقي عند حديثه عن «قيس بن الملوح»، لم يكن يعمل في مجال التاريخ الصحيح، بل في مجال الأسطورة، وكانت الحرية أمامه مطلقة، نقول: إنه وإن يكن لهذا النقد وجاهته إلا أن الطابع الغنائي لهذه المسرحية كفيل بأن يشفع لالتقاطه تلك الروايات الشعبية الساذجة، ولو أن هذه المسرحية مثلت كأوبرا أو صحبتها الموسيقى والغناء، لكان ما تخيره شوقي أدعى إلى النجاح، من التحليلات النفسية والعضوية العميقة التي تطلبها النقاد، والمسرح الغنائي يزداد تحليقا ومداعبة للخيال وإثارة للأحاسيس الجمالية كلما كان أكثر سذاجة، وكانت صوره أكثر انطلاقا.
وفي أحيان أخرى نرى النقاد يأخذون على شوقي أنه لم يدرس التاريخ دراسة استقصاء؛ ولذلك لم يستخدم كل ما كان هذا التاريخ يستطيع أن يمده به، وذلك على نحو ما فعل الأستاذ عباس محمود العقاد في كتيبه الصغير رواية «قمبيز في الميزان»، إذ أخذ ينقب عند هيرودوت وغيره من المؤرخين، فعلم أن المشرع اللاتيني الشهير سولون، وأن قارون ملك ليديا الذي يضرب بثرائه المثل، كانا في مصر أثناء حملة قمبيز عليها، فأخذ يلوم شوقي لأنه لم يدخل هاتين الشخصيتين في مسرحيته، ليتحدث الأول عن أصول الحكم والتشريع، ويتحدث الثاني عن المال ومباهجه ونكباته، ومن البين أن هذا النقد نقد تعسفي؛ وذلك لأننا، بفرض صحة ما ذكره الناقد، لا ندري كيف كان يريد أن يقحم شوقي هاتين الشخصيتين التاريخيتين في مسرحيته، دون أن يكون لهما مكان في أحداث المسرحية ولا دور في مجراها! وعلى العكس من ذلك نرى أن هذا الناقد قد أصاب قلب الحقيقة، عندما أخذ على شوقي إهماله لبعض الحقائق التاريخية، التي كان يستطيع استخدامها لإيضاح الحقائق النفسية لأبطال مسرحيته، وبخاصة قمبيز، الذي ينبئنا شوقي أنه قد أصيب بالجنون، دون أن يفسر لنا سبب هذا الجنون، مع أن التاريخ يتحدث عن نكبات بالغة لقيها وجنوده في صحراء ليبيا وفي بلاد النوبة، بل لم يقف شوقي عند هذا الإهمال فحسب، إذ نراه يقلب حقيقة تاريخية كان الفن المسرحي الصحيح يقتضيه على العكس أن يتمسك بها بل ويبالغ فيها، وذلك عندما زعم أن قمبيز كان يعاف الخمر؛ لكي يحتفظ بالصحو في القتال، مع أن الثابت تاريخيا أن قمبيز كان يدمن الخمر، وربما كان ذلك سببا من أسباب جنونه.
وبالرغم من صحة بعض الملاحظات الجزئية التي أخذها النقاد على شوقي، من حيث طريقة استخدامه للتاريخ، فإننا نستطيع أن نقرر أنه لم يخرج عن الحدود العامة التي يلتزمها الأدباء، عندما يستقون مادتهم من التاريخ، فهو لم يمتهن شيئا من حوادثه الكبرى أو من حقائقه العامة، فلم يزعم مثلا أن أنطونيو قد هزم أوكتافيوس، أو أن كليوباترة قد أنقذت مصر من براثن الرومان، ولا أن المعتمد بن عباد قد أنقذ ملكه في إشبيلية، وإنما تصرف شوقي في حدود كليات التاريخ فاحترم الوقائع الكبرى، وإن يكن قد غير من دوافعها النفسية والأخلاقية، وفقا لنزعات مسيطرة على نفسه، وفي مجال التاريخ الأسطوري عن قيس بن الملوح وعنترة، انتقى من أحداثه ما يلائم منهجه الأدبي؛ ولذلك ربما يكون النقد أكثر صحة عندما يتناول هدف شوقي في معالجة التاريخ، واستقامة ذلك الهدف أو تناقضه، ومبلغ سمو هذا الهدف ومقدار جدواه.
وبمراجعة النظرات التحليلية التي زينت بها مسرحياته وكتبت بإيحائه وتحت إشرافه، نحو ما ذكر ابنه الأستاذ حسين شوقي في كتابه «أبي شوقي»، إذ قص كيف أن والده طلب إلى الأستاذ عبد الرحمن الجديلي أن يكتب «النظرات التحليلية» الخاصة بمسرحية قمبيز، نقول: إنه بمراجعة تلك النظرات يتضح أن شوقي كان يهدف إلى تمجيد الوطنية المصرية والنبل العربي، ولكن هل وصل شوقي حقا إلى هذا الهدف، وهل ما وصل إليه يعوض ما فقدناه من تعمق التحليل النفسي، وصدق تصوير الشخصيات، وخصائصها الإنسانية الدفينة؟
لقد زعم كاتب النظرات التحليلية لكليوباترة، أن المؤلف أراد أن يرد إلى مصر اعتبارها، وأن يشيد بمجدها وصدق وطنيتها، ولكن الإشادة بمصر وبمجد مصر كانت تفهم وتتحقق، لو أن المؤلف أظهر إخلاص الشعب المصري وغيرته على وطنه وتفانيه في سبيله، لا دهاء ملكة مصر وطموحها الذي لا يتورع عن أية وسيلة مهما انحطت، ومنذ مطلع المسرحية تسمع من يصف الشعب المصري بأنه شعب أبله يصفق لمن شرب الطلا في تاجهم، وأحال عرشهمو فراش غرام، كما يصفه بأنه «ببغاء عقله في أذنيه»، وتمر تلك الأوصاف دون أن تلقى ردا من أي مواطن مصري، والظاهر أن شوقي شاعر الأمراء لم يكن يحرص إلا على الدفاع عن صاحبة العرش، فكليوباترة في مسرحيته لا تخون أنطونيو، ولا تتخلى عنه في المعركة لغدر منها، وإنما لسياسة عليا هي أن تترك قواد الرومان يفني بعضهم بعضا؛ ليخلو لها بعد ذلك الجو، وتستطيع أن تسيطر على العالم، وأن تجعل من الإسكندرية عاصمته الكبرى، وهي تضحي في سبيل مصر بعبقري جمالها، وذلك مع أن كليوباترة كانت ملكة أجنبية دخيلة على مصر، وكانت خاتمة أسرة شريرة، كم ذبح فيها الإخوة أخواتهم وأقرب الناس إليهم رحما، طمعا في الحكم ومغانمه! ولكنه من الإنصاف أن نقر لشوقي بغنائه الرائع بمجد مصر وخلودها واتخاذ ثراها مقبرة لغزاتها.
ومن المفهوم أن شوقي كان يهدف في مسرحيتيه «مجنون ليلى» «وعنترة»، إلى التغني بنبل العرب وسمو أخلاقهم، حتى لنراه يأتي في «مجنون ليلى» بما لا يكاد أن يصدقه العقل؛ لاستعصائه على الطبيعة البشرية، فليلى مثلا لا ترغم على عدم الزواج من قيس رغم غرامها به، وإنما يترك لها الخيار فتختار الزواج من ورد الثقفي نزولا على تقاليد العرب النبيلة، التي كانت تعيب تزوج الفتاة ممن شبب بها وفضح حبه لها، وزوجها ورد لا يقربها بعد الزواج، بل يتركها بكرا، ولا يجد غضاضة في أن يتركها تخلو بقيس عندما قدم إلى خبائه، ومع ذلك ففي مسرحية «عنترة» نرى عبلة، وهي بنت سيد قومها، لا تفضل أحدا على عنترة، وعندما يحتكم إليها لا تتردد في أن تؤثره على صخر، وذلك مع أن عنترة لم يكن أقل تشبيبا بها من قيس بليلى، كما أنه كان ابنا لزبيبة الأمة الحبشية، ولم يرفض أبوها مالك زواجها من عنترة فحسب، بل استعدى عليه منافسيه، وجعل رأسه مهرا لها، بخلاف والد ليلى الذي رفض بإصرار أن يمس أحد قيسا بسوء، باعتباره ابنا للقبيلة تجري في عروقه دماؤها، ولسنا ندري سببا لهذا التناقض الذي لم يفسره لنا المؤلف، اللهم إلا أن تكون بطولة عنترة وسحرها الخارق، قد أحدثت في نفس عبلة ما لم يحدثه قيس في نفس ليلى، وما لم تكن أصالة دم قيس قد أحدثت في المهدي والد ليلى، ما لم تستطع أن تحدثه بطولة العبد عنترة في نفس مالك العبسي.
وعلى أية حال، فالملاحظ أن شوقي قد عالج أحداث التاريخ وأساطيره من الناحية الأخلاقية، وتخير من الأحداث والوقائع ما يتمشى مع وجهة النظر التي اختارها، حتى لتراه يهمل التاريخ الواقعي كله أحيانا، مفضلا أسطورة شعبية تواتي وجهة نظره الأخلاقية، فبالرغم من أن غزو الفرس لمصر قد كانت له أسباب حربية واقتصادية ودولية، يطنب في إيضاحها المؤرخون، إلا أن شوقي لم يقف عند أي من هذه الأسباب، مفضلا أسطورة شعبية رواها هيرودوت، عن رغبة قمبيز في الزواج من بنت فرعون، ورفض تلك الفتاة الزواج منه، ثم تطوع «نتيتاس» بنت الفرعون السابق المقتول بالزواج من الشاه إنقاذا لوطنها، ثم اكتشاف قمبيز لهذا الخديعة وغضبه وغزوه لمصر، وكل ذلك؛ لكي يظهر بطولة الفتاة المصرية، وتضحيتها بنفسها في سبيل الوطن، ولكنه بالرغم من ذلك لم يستطع أن ينقي هذا الدرس الأخلاقي من كل شائبة، فإلى جانب الروح الفدائية الرائعة التي تتحلى بها نتيتاس، تقوم إثرة «نفريت» بنت فرعون الحاكم، بل إن روح التضحية عند «نتيتاس» نفسها لم يصورها الشاعر خالصة نقية، إذ نراه يشير عند مطلع المسرحية إلى حب عاثر اكتوت بناره، إذ لاحظت انصراف «تاسو» حارس فرعون عنها، بعد أن انتقل الملك من أبيها إلى فرعون الجديد، وتلك كانت كارثة أضيفت إلى كارثة قتل أبيها، فامتلأت نفسها يأسا وهانت عليها التضحية، مما يضعف من قيمتها الأخلاقية، ولكن شوقي مع ذلك غلب في مسرحيته الاتجاه الأخلاقي، فاقتصر على مجرد التلميح إلى رزئها في الحب بعد رزئها في أبيها، وبالرغم من تعقد الموقف وتنوع العوامل النفسية، التي كانت تحتشد بها نفسية «نتيتاس»، مما كان يستطيع معه المؤلف أن يعقد الموقف، ويوسع من مجال الكشف النفسي وسبر الأعماق، على نحو ما يفعل كاتب كبير كشكسبير مثلا، نراه يبسط الموضوع، فلا ينمي العناصر النفسية الدفينة، ولا يوضح عملها مكتفيا بالتلميحات العابرة؛ لكي يوفر جهده على إظهار دافعها الأخلاقي ونبلها الوطني، وبذلك أفقر الشخصية لا لشيء؛ إلا لكي يدفعها في الطريق الذي رسمه لها، الهدف الذي اختاره حتى أصبحت مجرد هيكل مسلوب الأعصاب فاقد الحياة، وكأنها مجرد رمز للوطنية والفداء؛ وكل ذلك لأنه مؤلف أخلاقي، أو أراد أن يكون كذلك.
وباستطاعتنا أن نستقصي نفس الاتجاه الأخلاقي وتأثيره على المؤلف في مآسيه الأخرى؛ ففيها جميعا نلاحظ في سهولة أنه حينما يكون هناك مجال واسع لصراع نفسي عنيف، بين هوى النفس والواجب الأخلاقي أو الوطني، لا يتعمق المؤلف في تصوير هذا الصراع بل يغلب، في سهولة، الدافع الأخلاقي على عواطف النفس وشهواتها، دون أن يصور المشقات التي تعانيها شخصياته في هذا الصراع، ولا المعارك التي كان من المنتظر أن تدور في حناياها، وبذلك تبدو انتصارات تلك الشخصيات سهلة رخيصة لا تنفعل لها النفس ولا تهتز لها، حتى الانتصارات الأخلاقية لا تستند إلى أصول عريقة في الضمير الإنساني، بل في الغالب إلى آداب مواضعة اجتماعية، مستمدة من الجماعة لا من أعماق النفس البشرية؛ ولذلك لا يمكن القول بأن للمؤلف فلسفة أخلاقية بذاتها، على نحو ما استخلص النقاد من هذا النوع عند «كورني» مستندة إلى مبادئ «ديكارت»، إذ أرجعوا بطولة شخصيات «كورني» إلى روح الفلسفة الديكارتية المستندة إلى اليقين، بعد تنحية كل عوامل الشك، والتمسك باليقين الأخلاقي عن بينة وتفكير عقلي سليم. •••
وإلى جانب التاريخ الواقعي أو الأسطوري، حاول شوقي في الكوميديا الوحيدة التي كتبها أن يتخذ الحياة منبعا لمادته الأولية، ولقد تساءل النقاد: كيف يستطيع شوقي أن يصور حياة الشعب مع أنه لم يكن يعيش تلك الحياة؟ ولم يختلط بعامة الشعب، وهو الأرستقراطي المدلل الذي كان يخالط الملوك والأمراء وعلية القوم، ويعيش في كرمة ابن هانئ، لا حي الحنفي حيث كانت تعيش «الست هدى» وأمثالها من الطبقة الوسطى أو الدهماء! ولكن هذا النقد مردود؛ لأن أحدا لا يستطيع أن يقرر أن جميع المؤلفين قد عاشوا حياة عشرات أو مئات الشخصيات التي صوروها في قصصهم أو مسرحياتهم، وإلا لكان حتما على شكسبير وموليير وإبسن وشو، أن يعيشوا عيشة اللصوص والمجرمين والأفاقين وقطاع الطرق وحثالة المجتمع، الذين صوروا حياتهم أدق تصوير، وإلا كان مثلهم مثل ذلك المصور الإغريقي القديم، الذي أراد أن يصور الألم البشري من ملامح الإنسان، فاشترى عبدا وأخذ يكويه بالنار؛ لكي يلتقط على لوحته الزيتية تعبيرات الألم الفعلي التي ترتسم على وجهه، وما أفقره خيالا ذلك الذي يحتاج إلى توليد الألم فعلا؛ لكي يصور تعبيراته! ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن نقول: إن شوقي قد عاش بمعزل تام عن حياة الناس، وذلك فضلا عن وجود خصائص بشرية عامة مشتركة بين البشر، مهما اختلفت طبقاتهم الاجتماعية، والمؤلف في وصفه للحياة، لا يستقي مادته كلها من ملاحظته أو تجاربه المباشرة، بل يستمد أيضا الكثير من قراءاته، والخيال الخصب قادر على أن يبني البناء الشامخ فوق ملاحظة جزئية توحي إليه بجذورها وفروعها وتشعبها في شتى الاتجاهات، وهذا هو ما فعله شوقي في ملهاة «الست هدى»، التي يصور فيها هي الأخرى داء أخلاقيا متفشيا وهو الطمع في ثروة الزوجة، وتهافت الرجال على المرأة طمعا في مالها، ثم خيبة ذلك الأمل، إذ يموت الأزواج تباعا قبل الست هدى، حتى إذا ماتت هي قبل الزوج الأخير، اكتشف ذلك الزوج لسوء حظه أنها كانت قد أوصت قبل أن تموت بكل مالها لبعض معارفها ولبعض جهات البر، فأسقط في يده، وتنكر له من كان قد أخذ يتملقه باعتبار أنه قد أصاب الثراء، وصور شوقي كل أولئك الأزواج المتعاقبين تصويرا سريعا ولكنه حي، وإن يكن هذا التصوير قد جاء عن طريق السرد والرواية على لسان «الست هدى» لإحدى جاراتها، فبدا مفتعلا لسوء الحظ، والواقع أن الموضوع يستعصي بطبيعته على المسرح، ولو أن المؤلف حاول أن يعرض عرضا فعليا كل هذه السلسلة من الأزواج، لنراهم أحياء يتحركون ويتحاورون ويعيشون على خشبة المسرح، لطال به الأمر وتسرب إلى النفوس الملل، ولأصبحت المسرحية استعراضا مفككا، وإنما احتال المؤلف فعرض بالوصف السريع تلك السلسلة؛ لكي يمهد لمهزلة الزوج الأخير التي تشغل الجانب الأكبر من المسرحية.
ناپیژندل شوی مخ