وكذلك في المعاد؛ فإن النصارى لم تؤمن بجميع ما أخبرت به الرسل من الأكل والشرب والنكاح واللباس في الجنة؛ ولهذا وصفهم سبحانه بأنهم لا يؤمنون باليوم الآخر؛ كما وصفهم بأنهم لا يؤمنون بالله في قوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (¬1)، ووصفهم بمضاهاة المشركين في قوله: {وقالت اليهود (¬2) عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون • اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (¬3)، وذكر الله في سورة مريم ما فيه خطاب للنصارى، وما فيه خطاب للمشركين من الصابئين وغيرهم؛ فإنه لما قص قصة المسيح قال: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون • ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. . .} إلى قوله: {أسمع بهم وأبصر يوم ياتوننا / (¬4) لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} (¬1) أي ما أسمعهم وما أبصرهم يوم يأتوننا! لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين.
والنصارى ظالمون لما فيهم من الشرك، والشرك ظلم عظيم، وهم في ضلال عظيم؛ إذ هم من أجهل الناس وأضعفهم عقلا، ففيهم من الجهل والظلم ما لا يخفى على ذي بصيرة؛ إذ يقولون ما لا يخفى على الصبيان فساده؛ فهم اليوم في ضلال مبين.
ويوم القيامة ما أسمعهم وما أبصرهم!! ثم قال: {وأنذرهم يوم الحسرة. . .} إلى آخر الآية (¬2)؛ فذكر المعاد في هذا الكلام، ثم إنه سبحانه في آخر السورة (¬3) قال: {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا • أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا}، وأقسم على المعاد لأنه ثبت بخبره الصادق؛ فوكده بقسمه البار، إلى قوله: {واتخذوا من دون الله (¬4) آلهة ليكونوا لهم عزا}، إلى قوله: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا • لقد جئتم شيئا إدا • تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا • أن دعوا للرحمن ولدا • وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا • إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا • لقد أحصاهم وعدهم عدا • وكلهم آتيه يوم القيامة فردا}، فجمع في هذا الكلام بين أن عبودية الملائكة والأنبياء له، وأنه ليس نسبتهم إليه إلا نسبة العبادة لا التولد، وأخبر أنهم كلهم يأتونه عبادا فرادى، تحقيقا للمعاد.
مخ ۴۷