وكثير ممن رد على هؤلاء: أطلق القول بأن المعدوم ليس بشيء، وربما كان في كلامه ما يقتضي: أنه ليس بشيء لا في العلم، ولا العين، لا في الذهن، ولا في الخارج عن الذهن. وهذا غلط؛ بل الصواب: أنه ثابت موجود في العلم؛ بمعنى: أنه يعلم، والتمييز يتبع العلم؛ فإذا كان معلوما بالعلم: ميز بالعلم بين الممتنع والواجب والجائز، والمراد وغير المراد، وذلك لا يوجب كونه ثابتا في الخارج؛ فإنا نعلم بالاضطرار: أن نتصور في أنفسنا ما لا حقيقة له في الخارج.
يبين ذلك: أنا نتصور الوجود المطلق في أنفسنا، والوجود المطلق لا يكون ثابتا في العدم، ولا في الخارج. وكذلك سائر الكليات المطلقة؛ فإنا نتصورها مطلقة، وهي لا تكون في الخارج كليات مطلقة. وإنا نتصور الممتنع كما نتصور الممكن، والممتنع ليس بثابت في الخارج بالاتفاق.
وقد نفى الله عن الإنسان: أن يكون شيئا قبل خلقه بقوله: / (¬1) {وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا} (¬2)، وبقوله: {أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا} (¬3).
وأما قوله: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} (¬4)، وقوله: {إن زلزلة الساعة شيء عظيم} (¬5)، وقوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا • إلا أن يشاء الله} (¬6)، ففيه جوابان:
أحدهما: أنه (شيء) في العلم والقول؛ وإن لم يكن بعد صار في الخارج له ثبوت، ولا وجود.
الثاني: أنه عند وجوده يصير شيئا، وهذا في الزلزلة أظهر منه في الآيتين.
وقوله: {إذا أراد شيئا} بمنزلة قوله: أراد موجودا، ولا يستلزم ذلك أن يكون موجودا في الخارج قبل وجوده.
مخ ۵۸