وهذه الطريق يعلم بها العبد ثبوت الصانع، وثبوت صفاته من غير أن يحتاج أن يعلم حينئذ حدوث الأفلاك؛ بل إذا ثبتت عنده الطريق المعلومة بالعقل الصريح التي أرشد إليها السمع الصحيح ثبوت الصانع؛ وترتب على ذلك ثبوت الرسالة؛ أمكن أن يعلم حدوث السماوات والأرض بالطريق السمعية.
[طريقة أهل الكلام في إثبات الصانع]
ولهذا كان حذاق أهل النظر والكلام معترفين: بأن حدوث السماوات لا يفتقر فيه إلى العقل، وعابوا بذلك طريق كثير من المعتزلة ومن اتبعهم كأبي المعالي (¬1) وذويه؛ حيث جعلوا العلم بالصانع متوقفا على العلم بحدوث العالم (¬2)، والعلم بحدوث العالم متوقفا على العلم بحدوث الأجسام، وجعلوا الطريق إلى ذلك الاستدلال بحدوث / (¬3) الأعراض، وبنو ذلك على أربع مقدمات:
ثبوت الأعراض، ثم حدوثها، ثم لزومها للأجسام، وإذا لم تنفك الأجسام منها ثبت حدوث الأجسام؛ فإن ما لا يسبق الحوادث فهو محدث.
ثم منهم من اقتصر على ذلك، ومنهم من تنبه على أنه لا بد من بيان استحالة (حوادث لا أول لها)؛ وهي أهم مقدمات هذه الحجة؛ فاحتج على ذلك بحجة الموازاة والمسامتة (¬4) وأمثالها من الأمثلة المضروبة في امتناع ذلك.
وقد ذكر أبو الحسن الأشعري (¬5) في (رسالته إلى أهل الثغر) أن هذه الحجة مبتدعة في الدين لم يسلكها أحد من الأنبياء والمرسلين ولا الصحابة والتابعين. وهو كما قال.
مخ ۵۰