المسلك الأول: أن هذه الأمراض لا تعدي بطبعها ولكن الله تعالى جعل مخالطة المريض للصحيح سببا لإعدائه مرضه، وقد يتخلف ذلك عن سببه، كما في غيره من الأسباب، وهذا المسلك هو الذي سلكه ابن الصلاح.
قال أحمد شاكر:
وأقواها عندي المسلك الأول الذي اختاره ابن الصلاح ، لأنه قد ثبت من العلوم الطبية الحديثة أن الأمراض المعدية تنتقل بواسطة الميكروبات، ويحملها الهواء أو البصاق أو غير ذلك على اختلاف أنواعها ، وأن تأثيرها في الصحيح إنما يكون تبعا لقوته وضعفه بالنسبة لكل نوع من الأنواع. وأن كثيرا من الناس لديهم وقاية خلقية تمنع قبولهم لبعض الأمراض المعينة، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال فاختلاط الصحيح بالمريض سبب لنقل المرض، وقد يختلف هذا السبب كما قال ابن الصلاح.
وإذا كان الحديثان المتعارضان لا يمكن الجمع بينهما فإن علمنا التاريخ أخذنا بالأخير وجعلنا الأسبق منسوخا به. مثاله عند الناظم حديث "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة "313. ففي هذا الحديث نص على أن النهي عن زيارة القبور كان متقدما على هذه الإباحة وأن الإباحة ناسخة للنهي .
رجح إذ الأخير ليس يعلم ... (نكح ميمونة وهو محرم)
عن ابن عباس روى الشيخان ما لأبي رافع ذو رجحان
وإذا لم نعرف التاريخ سلكنا مسلك الترجيح ، وأوجه الترجيح كثيرة ذكر منها الحازمي خمسين وجها في كتاب الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الأخبار ونقلها العراقي في التقييد وزاد عليها حتى أوصلها إلى مائة وعشرة أوجه.314 ومن أمثلته ما ورد في نكاح ميمونة رضي الله عنها فإن فيها أيضا تعارض بين الروايات. فروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهو محرم قال: فجعلت أمرها إلى العباس فأنكحها إياه.315
ووردت أحاديث أخرى تقضي بأنه صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهو حلال . قال الحافظ ابن عبد البر :
مخ ۹۰