المقام الثاني في جواز إعادة المعدوم وعدمه
فنقول : المقام الثاني في أن المعدوم هل يجوز أن يعاد بعينه ، أي بجميع عوارضه المشخصة أم لا؟ ذهب أكثر المتكلمين إلى جوازه ، وذهب الحكماء وبعض المتكلمين إلى امتناعه ، ولكل من الفريقين حجج ، فلنذكر أولا حججهم على ما ذهبوا إليه ، ثم نتبعه بتحقيق ما هو الحق ، إن أمكن ، فنقول : إن الشيخ في الفصل الخامس من إلهيات الشفاء حقق أولا : أن الموجود والشيء والضروري والواحد ترتسم معانيها في النفس ارتساما أوليا ، ليس ذلك الارتسام مما يحتاج إلى أن يجلب بأشياء أعرف منها ، وتكون هي مبادئ تصورية ، كما يقال : إن الشيء هو الذي يصح عنه الخبر ، حيث إن ذلك لو كان تعريفا حقيقيا لكان دوريا ، فإن قولنا يصح أخفى من الشيء والخبر أيضا أخفى من الشيء ، وإنما يعرف الصحة ، ويعرف الخبر بعد أن يستعمل في بيان كل واحد منهما إنه شيء أو أمر أو نحو ذلك.
نعم ربما كان في هذا التعريف وأمثاله تنبيه على ما في النفس ، وأما بالحقيقة فليس تعريفا فإنك إذا قلت إن الشيء هو ما يصح الخبر عنه ، يكون كأنك قلت إن الشيء هو الشيء الذي يصح عنه الخبر ، فتكون قد أخذت الشيء في حد الشيء.
وبالجملة أنه قد حقق أن الشيء والموجود ونحوهما ، أعرف الأشياء عند العقل ، ثم حقق أن معنى الموجود ومعنى الشيء متصوران في الأنفس ، وهما معينان فالموجود والمثبت والمحصل ، أسماء مترادفة على معنى واحد ، ولا نشك أن معناها قد حصل في النفس ، والشيء وما يقوم مقامه ، قد يدل به على معنى آخر في اللغات كلها ، فإن لكل أمر حقيقة هو بها ما هو. فللمثلث حقيقة أنه مثلث ، وللبياض حقيقة أنه بياض ، وذلك هو الذي ربما سميناه الوجود الخاص ، ولم يرد به معنى الوجود الإثباتي ، فإن لفظ الوجود يدل به
مخ ۲۴۹