201

أيضا على معان كثيرة ، منها الحقيقة التي يشيء عليها الشيء ، فكأنه ما عليه يكون الوجود الخاص للشيء.

ثم قال : إنه من البين أن لكل شيء حقيقة خاصة ، هي ماهيته ، ومعلوم أن حقيقة كل شيء الخاصة به غير الوجود الذي يرادف الإثبات ، وذلك لأنك إذا قلت حقيقة كذا موجودة ، إما في الأعيان أو في النفس أو مطلقا ، يعمها جميعا ، كان لهذا معنى محصل مفهوم ، ولو قلت إن حقيقة كذا ، أو أن حقيقة كذا حقيقة ، لكان حشوا من الكلام غير مفيد ، ولو قلت إن حقيقة كذا شيء ، لكان أيضا قولا غير مفيد ما يجهل ، وأقل إفادة منه ، أن يقال : إن الحقيقة شيء ، إلا أن يعنى بالشيء الموجود ، كأنك قلت إن حقيقة كذا حقيقة موجودة.

وأما إذا قلت حقيقة «ألف» شيء ، وحقيقة «ب» شيء آخر ، فإنما يصح هذا وأفاد ، لأنك تضمر في نفسك أنه شيء آخر مخصوص ، ومخالف لذلك الشيء الآخر ، كما قلت : إن حقيقة «ألف» حقيقة ، وحقيقة «ب» حقيقة اخرى ، ولو لا هذا الإضمار ، وهذا الاقتران جميعا لم يفد.

فالشيء يراد به هذا المعنى ولا يفارق لزوم معنى الوجود إياه البتة بل معنى الموجود يلزمه دائما ، لأنه يكون إما موجودا في الأعيان ، أو موجودا في الوهم والعقل ، فإن لم يكن كذا لم يكن شيئا.

وان ما يقال إن الشيء هو الذي يخبر عنه ، حق ، ثم الذي يقال مع هذا إن الشيء قد يكون معدوما على الإطلاق ، أمر يجب أن ينظر فيه. فإن عنى بالمعدوم المعدوم في الأعيان ، جائز أن يكون كذلك ، فيجوز أن يكون الشيء ثابتا في الذهن معدوما في الأشياء (1) الخارجة ، وإن عنى غير ذلك كان باطلا ، ولم يكن عنه خبر البتة ، ولا كان معلوما إلا على أنه متصور في النفس فقط ، فأما أن يكون متصورا في النفس صورة تشير إلى شيء خارج ، فكلا ، أما الخبر فلأن الخبر يكون دائما عن شيء متحقق في الذهن ، والمعدوم المطلق لا يخبر عنه بأن يجاب. واذا اخبر عنه بالسلب أيضا فقد جعل له وجود بوجه ما في الذهن ، لأن قولنا هو يتضمن إشارة ، والإشارة إلى المعدوم الذي لا صورة له بوجه من الوجوه في الذهن محال. فكيف يوجب على المعدوم شيء.

مخ ۲۵۰