أما الأمير بشير الحاكم فبعد أن كان أسلافه الحكام يصادرون السكان بما يفرضون عليهم من الأموال، وقد صودرت زحلة منه مرارا رضي عن سكانها، وأحبهم ورتب عليهم كل سنة خمسة وعشرين قنطارا من السمن تصل إلى داره في بيت الدين، وقد تستبدل بخمسة عشر ألف غرش تتوزع على الحارات بمعرفة الدهاقين (الخولية)، وتتقدم له عن يد مشايخ زحلة الذين نصبهم لإدارة شئونها. وبعد ذلك صار يطلب من زحلة قرضا نحو أربعين ألف غرش في السنة، وقد يصل عند الحاجة إلى مائة ألف غرش، وكان هذا القرض عديم العوض، وكانت حركة التجارة في زحلة سريعة ونجاح البلدة وتقدمها غريبا.
وفيها في 3 ك1 استأثرت رحمة الله بالبطريرك مكاريوس الطويل مطران زحلة السابق في دير المخلص حيث دفن، وأقام على الكرسي البطريركي سنتين وأربعة أيام وكان برا غيورا.
وسنة 1816 كان كرسي زحلة الأسقفي الكاثوليكي فارغا منذ ثلاث سنوات لعدم اتفاق الكلمة على أسقف له، فذهب بعض شيوخ الزحليين إلى الخوري يواكيم بحوت الدمشقي، وبينوا له رغبتهم في انتخابه أسقفا عليهم. وكان العالم الخوري سابا الكاتب الشهير لا يريد ذلك، فأشار إلى الخوري يواكيم أن يطلب من الزحليين ألفي غرش لتجهيز الدار الأسقفية فنفروا منه، وأما الخوري سابا الكاتب فأقنع البطريرك أغناطيوس قطان أن الخوري أغناطيوس العجوري من الإكليروس الحلبي العلماني هو جدير بالأسقفية محبوب من الكرسي الرسولي وطلب منه أن يسيمه أسقفا على ديار بكر ثم ينقله إلى الفرزل والبقاع، فعرض البطريرك ذلك على الأمير بشير فرضي به وسامه في دير المخلص، ثم بواسطة الأمير بشير قبله معظم الزحليين أسقفا عليهم، وخلع عليه الأمير وأرسل معه بكباشي وعشرة فرسان، وكان الذين لا يريدونه من الزحليين قد أزمعوا أن يمنعوه من الدخول، وقد ذهبوا بحجة أنهم من الملاقين إلى ثعلبايا، فلما رأوا رجال الأمير معه ذهب بعضهم إلى جهة السهل والآخرون تظاهروا بالقبول ورافقوا جمهور الملاقين، فدخل باحتفال عظيم ولما تلي منشور البطريرك ومرسوم الأمير بشير أذعن الجميع لأسقفهم، وأحبوه كثيرا فبدأ في عمار بلدتهم، وكان نافذ الكلمة عند الأمير بشير الشهابي الكبير، وفي عهده امتدت تجارة الزحليين إلى حلب وأوروبة وكثرت أبنيتها.
وسنة 1817م كثر العمار في جهة القاطع الغربية، وكان من اصطلاح الزحليين أن الذين من سكانها بعهدة الأمراء آل مراد اللمعيين يتبعون الرهبان المخلصيين، والذين بعهدة الأمراء آل قيدبيه اللمعيين يتبعون الرهبنة الشويرية. وكانت الرهبنتان تبنيان الكنائس فتسمي الحارات باسمها، فسعى الخوري أغناطيوس الجامد من الرهبان الشويريين بعد استئذان السيد أغناطيوس ببناء كنيسة البربارة في جهة القاطع المذكورة، وأتمها فسميت تلك الجهة باسمها «حارة البربارة» إلى يومنا.
وسنة 1819 بعث الأمير بشير إلى الزحليين ريالات يوزلي، وطلب استبدالها بذهب عتيق بندقي فاستبدلوها وأرسلوها إليه.
وفيها قتل الأمير دياب الحرفوشي مخايل بن بولس غره وابن هلال من زحلة، إذ كانا يجلبان القطران من القطارة في لبنان الغربي، فبلغ ذلك الأمير بشير فتحامل على الحرفوشيين اقتصاصا منهم. وبعد بضعة أيام جاء الأمير دياب زحلة، فأهانه بولس غره وابنه شاهين ورميا به عن فرسه وهربا، فبحث الأمير عنهما واستقدمهما إليه وأرسلهما إلى الحرفوشيين على أمل أن يعفوا عنهما، فقتلوهما فأوغر عملهم هذا صدر الأمير بشير غيظا، فكان ينتهز الفرصة للانتقام من الحرفوشيين وسعى بمعاضدة الزحليين ضد الحرفوشيين.
ويروى أيضا أن بولس غرة وابنه شاهينا التقيا بالأمير دياب الحرفوش قرب سراي الأمير بشير أحمد «وهي إلى يومنا تحت ساحة القمح»، فأنزلاه عن فرسه وأهاناه فأغلظ لهما الكلام، فطعنه بولس بمدية طعنة كانت القاضية، ثم رد المدية إلى قرابها وقال لها: «لا أسف عليك إذا صديت (أي صدئت)». ثم أرسلهما الأمير بشير إلى مشغره في البقاع حيث كان الحرفوشيون، فقتلوا شاهين أولا وأطعموا والده من لحمه، ثم ألحقوا به أباه بولس فاغتاظ الأمير منهم، وقيل إن هذه الحادثة صارت سنة 1822م والله أعلم.
وسنة 1819م كان الأمير بشير قد حنق من الحزب اليزبكي، وتظاهر بمعاضدة الجنبلاطيين؛ لأسباب لا محل لتفصيلها الآن، فاغتنم هذه الفرصة للتنكيل بهم وإخراجهم من البقاع، فأرسل إليهم ولده الأمير أمينا ومعه فارس أبو حاتم من حمانا وعسكر من لبنان، فجاءوا زحلة وبقوا فيها أياما ثم عادوا إلى بيت الدين بعد أن فر اليزبكيون من أمامهم. أما الأمراء اللمعيون فكانوا أصدقاءه ولذلك كان يميل إلى الزحليين الذين كانوا من خاصتهم.
وفي أواخر كانون الثاني سنة 1820 عاد الأمير بشير من حوران إلى بيت الدين، فأرسل ولده الأمير خليلا إلى البقاع، فطرد واليها حسن آغا العبد (الذي عاث في البقاع وزحلة)، ونهب بعض القرى وتولى حكم البقاع، فغضب درويش باشا والي الشام ولكنه خاف من انحياز الأمير بشير إلى خصمه عبد الله باشا والي عكاء، فأرسل يسأل الأمير أن يخبره عن مطاليبه فأجابه الأمير بشير أنه يريد:
أولا:
ناپیژندل شوی مخ