وفي سنة 1811م مرت بزحلة أربعمائة أسرة (عيلة) درزية، استقدمهم الأمير بشير من الجبل الأعلى قرب حلب حيث جرى عليهم تحامل، وكان يرافقهم فارس منصور الشدياق المسيحي والشيخ حسون الدرزي، فتحمل الزحليون ثقلة كبيرة للإنفاق عليهم، ولكنهم لم تطل إقامتهم فتوزعوا في مقاطعات الدروز.
وفيها استأثرت رحمة الله بالمطران باسيليوس جبلي أسقف الفرزل والبقاع ودفن في مدفن الرهبان في دير مار إلياس المخلصية. وكان سنة 1806 قد حضر مجمع القرقفة (قرب كفر شيما في لبنان) الذي عقده البطريرك أغابيوس مطر، وكان هذا الحبر متزهدا متقشفا يتعمم بشال ويلبس عباءة سوداء ويركب حمارا في سفره، وكان وكيلا له الخوري مخايل مقصود الزحلي النساخ المشهور، وتولى هو أسقفية حمص بعد ترك المطران يوسف سفر المذكور آنفا لها، وقام بأعباء أعماله الحبرية، وشيد كنيسة السيدة في الفرزل ومطحنة قربها.
2
وفي هذه السنة؛ أي 1811م حضر مجمع عين تراز الذي انعقد لإنشاء مدرستها الإكليريكية. وكان واعظا يؤثر كلامه في النفوس لتواضعه وتقواه، خدم الأسقفية خمس عشرة سنة رحمه الله.
وفيها كان الزحليون مجتمعين في مأتم أحد سكانها. فتفاوض الشيوخ بإقامة أسقف خلف لأسقفهم المتوفى فصاح الجمهور بفم واحد إننا نختار الخوري مكاريوس الطويل الدمشقي رئيس الرهبنة المخلصية العام، فكتبوا للحال يستأذنون البطريرك أغابيوس مطر بسيامته راعيا لهم، فسامه باسمه وأرسله إلى زحلة، فعمر حالا في الدار الأسقفية شبه قاعة بابها في الوسط، ولها نافذتان على الجانبين وسعى بنجاح رعيته.
وفي سنة 1812م أمر الأمير بشير الشهابي الكبير بإبطال الخفارة من جميع طرق بلاده لنشر الأمن وتقريب المواصلات، وأخذ في استعمار زحلة والبقاع التي ملك حاضرتها الكرك كما مر.
وفيها جاء زحلة البطريرك أغناطيوس صروف الدمشقي، ونزل في الدار الأسقفية وألقى فيها عظات بليغة، ثم ذهب إلى بعلبك وعاد إلى زحلة ومنها إلى دير القديس سمعان العمودي قرب كفر عقاب حيث قتل على أثر ذلك في 6 ت2 ، وقاتله إلياس عماد المعلوف المكنى بأبي كشك وأولاده من كفر تيه (لبنان)، وملخص الحادثة التي فصلتها في «دواني القطوف» أن إلياس المذكور كان له ولد في سجن بيت الدين اسمه يوسف، متهم بقتل نسيب له، فجاء إلى البطريرك وتضرع إليه أن يعطيه وصاة إلى الأمير بشير الشهابي ليعفو عن ولده وهو يدفع دية القتيل، فأشار البطريريك إلى كاتم أسراره القس جرجس، الذي كان أخ المقتول أن يكتب له وصاة، وأخذ الكتاب إلى الأمير، وكان قد عزم على قتل ولد؛ فخشية أن يغضب البطريرك من عدم قبول وصاته علقه ليلا على أثر وصول كتابه إليه. فلما أصبح الصباح ذعر إلياس لتداول الناس أمر تعليق رجل على المشنقة، فذهب إلى ساحة السراي وإذا بولده قد علق؛ فصار الضياء في عينيه ظلاما، وعاد إلى كفر تيه قرب دير القديس سمعان العمودي وأساء الظن بالبطريرك معتقدا أن الوصاة كان سببا لشنق ولده، وأن كاتم أسرار البطريرك، هو الذي فعل ذلك والبطريرك سكت عنه. فترك قريته بأولاده الأربعة زمنا قصيرا، وفي أحد الأيام عادوا ليقتلوا نسيبهم كاتم الأسرار، ولعلمهم أنه ذاهب مع البطريرك إلى دير سيدة النياح كمنوا له على الطريق قرب زرعايا، وهناك لما شاهدوا البطريرك وحده أطلقوا عليه الرصاص، فقتلوه وفروا إلى قبرص، ثم عادوا إلى لبنان فشنقهم الأمير بعد سنة.
وفي سنة 1813 عاد فارس منصور الشدياق وأخوه يوسف إلى خدمة الأمير بشير الشهابي الحاكم بعد أن كان قد صادرهما وأبعدهما وتحامل على أقربائهما، فولى فارسا شئون قرية بسكنته في متن لبنان وقرية شمسطار في بلاد بعلبك. وولي أخاه يوسف قرية الشوير ثم زحلة، فأخذ يجمع له منها المال الذي كان قد رتبه على السكان والعقارات والمطاحن.
وفيها جاء زحلة الأمير بشير الكبير الحاكم، فاحتفل سكانها بلقائه، وبدأ بنقل الكرك إلى المعلقة التي لم يكن فيها بيوت. وتأسف لأن أبنية زحلة في الجهة الجنوبية فقط وليس في شماليها على عدوة الوادي وضفة النهر المقابلة المعروفة الآن بالقاطع، إلا ثلثة بيوت قرب قناة الماء (السكر) في الجهة الغربية، ولكنه قال: إن الزحليين سيحتاجون إلى مد أبنيتهم إلى هذه الجهة، وسيكون ثمن أرضها غاليا. وقد حققت الأيام قوله ولا سيما في عهدنا الحاضر. وفي أواخرها على أثر وفاة البطريرك إثناسيوس مطر الكاثوليكي انتخب مطران زحلة مكاريوس الطويل بطريرك على طائفته وأقام في دير المخلص.
وسنة 1815 تمكن الأمير بشير من الحكم في زحلة والبقاع، واستولى على قرية قب إلياس، وكانت غلتها وافرة فعرضها على أهل زحلة بغرش واحد المد، وكثرت في زحلة تجارة الحبوب وتواردت إليها صادرات البلاد، فسميت ميناء البقاع وبعلبك والجبل الشرقي (القلمون)، فرتبت فيها الحسبة على المد والقبان وكان دخلها للأمراء اللمعيين.
ناپیژندل شوی مخ