******************************
الباب الثاني
من الجاهلية إلى الإسلام
الفصل الأول
منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير
العالم الذي واجهه محمد ﷺ:
بعث محمد بن عبد الله ﷺ والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزًا عنيفًا، فإذ كل شيء فيه في غير محله، فمن أساسه ومتاعه ما تكسر، ومنه ما التوى وانعطف، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكانًا آخر، ومنه ما تكدس وتكوم.
نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنسانًا قد هانت عليه إنسانيته، رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل مالا يملك لنفسه النفع والضر.
رأى إنسانًا معكوسًا قد فسدت عقليته، فلم تعد تسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره، فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس، يستريب في موضع الجزم، ويؤمن في موضع الشك. وفسد ذوقه فصار يستحلي المر ويستطيب الخبيث، ويستمرئ الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم، ولا يحب الصديق الناصح.
رأى مجتمعًا هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعيًا والخصم الجائر قاضيًا، وأصبح المجرم فيه سعيدًا حظيا، والصالح محرومًا شقيًا لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر، ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك.
رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد.
رأى ملوكًا اتخذوا بلاد الله دولًا، وعباد الله خولًا، ورأى أحبارًا ورهبانًا أصبحوا أربابًا من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله.
1 / 77