رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائغة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالا على أصحابها وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكًا وهمجية، والجواد تبذيرًا وإسرافًا، والأنفة حمية جاهلية، والذكاء شطارة وخديعة، والعقل وسيلة لابتكار الجنايات، والإبداع في إرضاء الشهوات.
رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق، ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة.
رأى الأمم قطعانًا من الغنم ليس لها راع، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه، ويجرح به أولاده وإخوانه.
نواحي الحياة الفاسدة:
إن كل ناحية من نواحي هذه الحياة الفاسدة تسترعي اهتمام المصلح وتشغل باله، فلو كان رجل من عامة رجال الإصلاح لتوفر على إصلاح ناحية من نواحيها، وظل طول عمره يعالج عيبًا من عيوب المجتمع ويعانيه، ولكن نفسية الإنسان معقدة التركيب دقيقة النسج كثيرة المنافذ والأبواب، خفية التخلص والتنصل، وإنها إذا زاغت أو اعوجت لا يؤثر فيها إصلاح عيب من عيوبها وتغيير عادة من عاداتها، حتى يغير اتجاهها من الشر إلى الخير ومن الفساد إلى الصلاح، وتقتلع جرثومة الفساد من النفس البشرية التي قد تنبت بفساد المجتمع واختلال التربية كما تنبت الحشائش الشيطانية في أرض كريمة، وتحسم مادة الشر ويغرس فيها حب الخير والفضيلة ومخافة الله ﷿.
وكل داء من أدواء المجتمع الإنساني وكل عيب من عيوب الجيل الحاضر يتطلب إصلاحه حياة كاملة، ويستغرق عمر إنسان بطوله، وقد يستغرق أعمار طائفة من المصلحين ولا يزول، فإذا ذهب أحد يطارد الخمر في بلاد قد نشأت على حياة الترف والبذخ ودانت باللهو واللذة أعياه أمرها وحبطت جهوده، لأن شرب الخمر ليس إلا نتيجة نفسية تعشق
اللذة حتى في السم، وتبتغي النشوة حتى في الإثم، فلا تهجره بمجرد الدعاية والنشر والكتب الخطب وبيان مضاره الطبية
1 / 78