الاضطهاد والاستبداد:
واضطهد اليوم في الشام والعراق واليعقوبيون في مصر اضطهادًا كبيرًا واستبد الحكام استبدادًا شديدًا وعاثوا في البلاد والدماء والأموال والأعراض. وتصامَّ أهل الحل والعقد عن شكواهم حتى صار الناس يعدون هذه الأوضاع الفاسدة ضربة لازب وقضاء محتومًا، وصاروا في بعض الأيام يفضلون الموت على الحياة.
المدنية المصطنعة والحياة المترفة:
استحوذت على الناس في الدولتين- الفارسية والرومية- حياة الترف والبذخ وطغى عليهم بحر المدينة المصطنعة والحياة المزورة وغرقوا فيه إلى أذقانهم. فكان ملوك فارس والروم وأمراء الدولتين سادرين في غفلتهم لا هم لهم إلا اللذة والتهام الحياة، وبذخوا بذخًا عظيمًا تخطى القياس، ودققوا في مرافق المعيشة وفضول المدنية وحواشي الحياة تدقيقًا عظيمًا جدًا،
فكان لكسرى أبرويز ١٢ ألف امرأة وخمسون ألف جواد وشيء لا يحصى من أدوات الترف والقصور الباذخة ومظاهر الثروة والنعمة، وقصره مثال في الأبهة والغنى (١)، يقول مكاريوس:
«لم يرو في التاريخ أن مليكًا بذخ وتنعم مثل الأكاسرة الذين كانت تأتيهم الهدايا والجرايات من كل البلدان الواقعة ما بين الشرق الأقصى والشرق الأدنى (٢) ولما خرجوا من العراق في الفتح الإسلامي تركوا في الخزائن من الثياب والمتاع والآنية والفضول والألطاف والأدهان ما لا يدرى ما قيمته» .
وقد وجد العرب قبابا تركية مملوءة سلالًا مختمة بالرصاص، قال العرب: فما حسبناها إلا طعامًا فإذا هي آنية الذهب والفضة (٣» .
_________
(١) تاريخ إيران لشاهين مكاريوس طبع ١٨٩٨ ص ٩٠.
(٢) أيضًا ص ٢١١.
(٣) تاريخ الطبري.
1 / 71