ووصف المؤرخون العرب بهار كسرى الذي أصابه المسلمون يوم المدائن فقالوا:
«هو ستون ذراعًا في ستين ذراعًا، بساط واحد مقدار جريب، أرضه بذهب ووشيه بفصوص وثمره بجوهر وورقه بحرير وماء الذهب فيه طرق كالصور وفصوص كالأنهار، وخلال ذلك كالدير، وفي حافاته كالأرض المزروعة، والأرض المبقلة بالنبات في الربيع من الحرير على قضبان الذهب، ونواره بالذهب والفضة وأشباه ذلك، وكانوا يعدونه للشتاء، إذا ذهبت الرياحين، فكانوا إذا أرادوا الشرب شربوا عليه فكأنهم في رياض (١»، وهذا يدل على ما وصل إليه البذخ والترفه في المدنية الفارسية.
كذلك كان الشام في الدولة الرومية وحواضرها، وكانت الدولتان والمدنيتان - الفارسية والرومية.. كفرسي رهان في البذخ والترفه في دقائق المدنية، وقد بذخ الأباطرة ونوابهم وأمراؤهم في الشام بذخًا عظيمًا وحوى بلاطهم وقصورهم ومجالس شربهم ولهوهم من آلات الترف وأسباب الرفاهية شيئًا كثيرًا، وبلغت من الترف والأناقة شأوا بعيدًا، وقد وصف حسان بن ثابت الشاعر المخضرم مجلس جبلة بن الأيهم الغساني فقال: لقد رأيت
عشر قيان خمس روميات يغنين بالرومية بالبرابط وخمس يغنين غناء أهل الحيرة أهداهن إليه إياس بن قبيصة وكان يفد إليه من يغنيه من العرب من مكة وغيرها، وكان إذا جلس للشراب فرش تحته الآس والياسمين وأصناف الرياحين وضرب له العنبر والمسك في صحاف الفضة والذهب وأتى بالمسك الصحيح في صحاف الفضة وأوقد له العود المندَّي إن كان شاتيًا، وإن صائفًا بطن بالثلج وأتي هو وأصحابه بكسى صيفية يتفضل هو وأصحابه بها في الصيف، وفي الشتاء الفراء الفنك وما أشبهه (٢) .
_________
(١) تاريخ الطبري ج٤ ص ١٧٨.
(٢) الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني ج١٤، ص ٢.
1 / 72