... وبعد فالفقه به يدرى ... الفتى ... ما يذرن من فعله ... وما أتى أي: أهم شيء نذكره بعد حمد الله والصلاة على رسوله هو علم الفقه؛ لأنه علم يتوصل به المكلف إلى معرفة ما وجب عليه تركه من المحرمات فيجتنبه عن علم بتحريمه، وإلى معرفة ما يكره له فعله فيتركه طلبا لثواب الله تعالى، وإلى معرفة ما يجب عليه فعله من الفرائض فيؤديه على ما طلب منه، وإلى معرفة ما يندب إلى فعله فيفعله طلبا لثواب الله تعالى، وإلى معرفة ما أبيح له فعله وتركه فيأتيه على علم بحكمه، ويقصد بفعله أو تركه قصدا يقربه فيه إلى الله تعالى، كما إذا قصد بالطعام والشراب والنوم التقوي على طاعة الله تعالى، فالمباح إنما يثاب فاعله على صلاح النية في فعله لا على فعل المباح نفسه. وقيل: إنه يتحول بالقصد إلى /30/ الطاعة طاعة، وبالقصد إلى المعصية معصية، وهو مذهب أبي سعيد -رضوان الله عليه-. فالمباح من حيث هو مباح لا ثواب على فعله ولا على تركه، ولا عقاب على كلا الطرفين اتفاقا.
(فيذرن) في قول المصنف بمعنى: يترك، زيدت فيه نون التوكيد للتقوية، و(أتى) بمعنى يأتي، وضع الماضي فيه موضع المستقبل على جهة التجوز والتوسع كما في قوله تعالى: {ونفخ في الصور} وقوله تعالى: {إذا دكت الأرض} وقوله: {إذا زلزلت الأرض} وقوله: {أتى أمر الله} في كثير من الآيات، والمعنى في ذلك كله مستقبل، والله أعلم.
مخ ۵۹