مقدمات
[خطبة الكتاب]
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك يا من نصب أولياءه مدارج الكمال لإيضاح القواعد، وأوصلهم إلى معارج الآمال من طريق العدل بخصال الأماجد، فجازوا قناطر القواطع، باستعمال الأسباب ورفض الموانع، ونصلي ونسلم على من شيد دعائم الإسلام بعد هدم أركانه، ونصب معالم الحلال والحرام بمحكم قرآنه، ومتقن بيانه، وعلى من نصره ليبلغ رسالة ربه، من آله وصحبه وحزبه، فأوفوا بعهده، وسلكوا طريق الاستقامة من بعده، وعلى من اعتبر بسيرتهم الزهراء، وسلك طريقتهم الغراء، صلاة وسلاما دائمين في الدنيا والأخرى.
أما بعد:
فإن الفقه أشهر من أن يشار إليه، وأبهر من أن يثنى عليه، وأكثر من أن يعد فضله، وأكبر من أن يقال هذا العلم مثله، فقد أوسع العالم حكما، والعالم علما؛ فالعالم به سيد العالم، والجاهل به جاهل وإن تعاظم؛ فمن ثم تزاحمت الهمم في مضماره، وتنافست الأفكار في درر بحاره.
وإن ممن أحرز قصبات السبق في ميدانه، وفاق بخصاله على أقرانه، حليف الحكم والحكم، والسيف والقلم: الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن قيس بن سليمان، قبل الله سعيه، وأثابه على إحيائه أمره ونهيه.
وقد من علي المنان بنظم خصاله على منوال مخالف لمنواله مع تركي منه ما تكرر، وتقديمي ما تأخر، وقد حذفت منه كتاب الاعتقاد اكتفاء ب«أنوار العقول» و«غاية المراد»، وقد زدت فيه أكثر مما حذفت، وأخلفت أكثر مما خلفت، وسميته: «مدارج الكمال بنظم مختصر الخصال».
[ منهج المصنف]
مخ ۱
ثم رأيت تمامه منوطا بشرح يوضح مرامه، ويزيح إبهامه وينشر أعلامه، أقرن فيه المسألة بدليلها، وإن تكن مقيسة سعيت في تأصيلها وتعليلها، وإن تكن مشكلة أو مجملة اجتهدت في تحريرها، وأخذت في تفصيلها كل ذلك على حسب الإمكان لقصد البيان؛ فإن وجدت لغيري في ذلك ما يشفي اكتفيت به، إذ السعيد من بغيره يكتفي، وسميت هذا الشرح: «معارج الآمال على مدارج الكمال».
اللهم اجعله لي عندك ذخرا، وأثبني عنه أجرا في الدار الأخرى، وأعوذ بك أن يكون حظي منه قول يقال، أو جاه في هذه العاجلة ينال ، فأنت حسبي ونعم الوكيل.
[ مقدمة
فيما يفيد طالب هذا الفن ]
وهذه مقدمة نذكرها أمام المقصود لقصد الإفادة، فنجعلها في أربعة فصول:
الفصل الأول:
في الخلاف الواقع بين الناس في الأديان والمذاهب
قال أبو القاسم الراغب: "جميع الاختلافات بين أهل الأديان والمذاهب على أربع مراتب:
الأولى: خلاف بين أهل الأديان النبوية، وبين الخارجين عنها من الثنوية والدهرية، وذلك في: حدوث العالم، وفي الصانع تعالى، وفي التوحيد.
والثانية: الخلاف بين أهل الأديان النبوية بعضهم مع بعض، وذلك في الأنبياء: كاختلاف المسلمين والنصارى واليهود.
والثالثة: الاختلاف والمختص في أهل الدين الواحد، بعضهم مع بعض في الأصول التي يقع فيها التبديع والتفجير، كالاختلاف في شيء من صفات الله تعالى، وفي القدرة، وكاختلاف المجسمة.
الرابعة: الاختلاف المختص بأهل المقالات في فروع المسائل، كاختلاف الشافعية والحنفية.
- فالاختلاف الأول: يجري مجرى متنافيين في مسلكهما، كآخذ طريق المشرق، وآخذ طريق المغرب، وآخذ طريق ناحية الشمال، وآخذ طريق ناحية الجنوب.
مخ ۲
- والثاني: يجري مجرى آخذ نحو المشرق، وآخذ يمنة أو يسرة، فهو وإن كان أقرب من الأول فلا يخرج أحدهما أن يكون ضالا ضلالا بعيدا.
- والثالث: جار مجرى آخذ جهة واحدة، ولكن أحدهما سالك المنهج، والآخر تارك المنهج.
- والرابع: جرى مجرى جماعة سلكوا منهجا واحدا، لكن أخذ كل واحد شعبة عن شعبة الآخر، وهذا هو الاختلاف المحمود، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : «الاختلاف في هذه الأمة رحمة للناس» ونحوه نظير من قال: "كل مجتهد في الفروع مصيب"، ولأجل الفرق الثلاث أمرنا أن نستعيذ بالله، ونتضرع إليه بقوله: {اهدنا الصراط المستقيم}، وقال: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله}.
الفصل الثاني:
في بيان الأسباب الموجبة للخلاف بين أهل المذاهب
قال أبو محمد عبد الله بن السيد البطليوسي: "عرض ذلك لأهل ملتنا من ثمانية أوجه، كل ضرب من الخلاف متولد منها، ومتفرع عنها:
الأول: اشتراك الألفاظ والمعاني. ... ... والثاني: الحقيقة والمجاز.
والثالث: الإفراد والتركيب. ... ... ... والرابع: الخصوص والعموم.
والخامس: الرواية والنقل. ... ... ... والسادس: الاجتهاد فيما لا نص فيه.
والسابع: الناسخ والمنسوخ. ... ... ... والثامن: الإباحة والتوسيع".
قال صاحب الإتحاف: "ثم ذكر لكل نوع من هذه الأنواع أمثلة تبين المقصود، قال: وها أنا أختصر لك خلاصة ما في ذلك الخطاب، قال:
الباب الأول: في الخلاف العارض من جهة اشتراك الألفاظ، واحتمالها للتأويلات الكثيرة،
وهذا الباب ينقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: اشتراك في موضوع اللفظة المفردة.
مخ ۳
والثاني: اشتراك في أحوالها التي تعرض إليها من إعراب وغيره.
والثالث: اشتراك يوجبه تركيب الألفاظ، وبناء بعضها على بعض.
فالاشتراك العارض: في موضوع اللفظة المفردة نوعان:
- اشتراك بجمع معان مختلفة متضادة. ...
- واشتراك يجمع معان غير مختلفة وغير متضادة.
فالأول: كالقرء، ذهب الحجازيون من الفقهاء إلى أنه: الطهر. وذهب العراقيون إلى أنه: الحيض، ولكل منهما شاهد من الحديث واللغة.
وأما اللفظ المشترك: الواقع على معان مختلفة غير متضادة: فنحو قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم} ذهب قوم إلى أن "أو" هنا للتخيير؛ فقالوا: السلطان مخير في هذه العقوبات، بأن يفعل بقاطع السبيل أيها شاء، وهو قول الحسن وعطاء، وبه قال مالك. وذهب آخرون إلى أن "أو" هنا للتفصيل والتبعيض، فمن حارب وقتل وأخذ المال صلب، ومن قتل ولم /4/ يأخذ المال قتل، ومن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله، وهو قول أبي مجلز وحجاج بن أرطأة عن ابن عباس، وبه أخذ الشافعي وأبو حنيفة، قلت: وهو مذهب أصحابنا.
وأما اشتراك العارض من قبل اختلاف الكلمة دون الموضوع: فمثل قوله تعالى: {ولا يضآر كاتب ولا شهيد}، قال قوم: مضارة الكاتب: أن يكتب ما لم يمل عليه، ومضارة الشهيد أن يشهد بخلاف الشهادة.
مخ ۴
وقال آخرون: مضارتهما أن يمنعا من استقلالهما ويكلفا الكتابة والشهادة في وقت يشق ذلك عليهما.
وإنما أوجب هذا الاختلاف أن قوله تعالى: {ولا يضار} يحتمل أن يكون تقديره "ولا يضار" (بفتح الراء)، فيلزم على هذا أن يكون الكاتب والشهيد مفعولا لما لم يسم فاعلهما، وهكذا كان يقرأ ابن مسعود بإظهار التخفيف وفتح الراء، ويحتمل أن يكون تقديره "ولا يضارر" (بكسر الراء) فيلزم على هذا أن يكون الكاتب والشهيد فاعلين، وهكذا كان يقرأ ابن عمر بإظهار التخفيف وكسر الراء.
وأما الاشتراك العارض من قبل تركيب الكلام وتناقض بعض الألفاظ على بعض فإن منه ما يدل على معان مختلفة متضادة، ومنه ما يدل على معان مختلفة غير متضادة، فمن النوع الأول قوله تعالى: {وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن} قال قوم: معناه وترغبون في نكاحهن لمالهن.
وقال آخرون: إنما أراد وترغبون عن نكاحهن لدمامتهن وقلة مالهن، ولكل من القولين شاهد في كلام العرب وله أمثلة كثيرة في القرآن وكلام العرب.
وأما التركيب الدال: على معان مختلفة غير متضادة فكقوله تعالى: {وما قتلوه يقينا} فإن قوما: يرون الضمير في (قتلوه) عائدا إلى المسيح - عليه السلام - ، وقوما: يرونه عائدا إلى العلم المذكور في قوله تعالى: {ما لهم به من علم إلا اتباع الظن} فيجعلونه من قول العرب: "قتلت الشيء علما".
مخ ۵
الباب الثاني: في الخلاف العارض من جهة الحقيقة والمجاز اعلم أن المجاز ثلاثة أنواع: نوع يعرض في موضوع اللفظة المفردة، ونوع يعرض في أحوالها المختلفة عليها من إعراب وغيره، ونوع يعرض في التركيب وبناء بعض الألفاظ على بعض، ولكل منها أمثلة كثيرة:
أما العارضان فيها من قبل أحوالها: فكقوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} وإنما المراد بل مكرهم بالليل والنهار، وتقول العرب: "نهارك صائم وليلك نائم".
وأما العارضان من طريق التركيب وبناء بعض التركيب على بعض؛ فنحو: الأمر يرد بصيغة الخبر وبالعكس، والإيجاب يرد بصيغة النفي وبالعكس، والمدح يرد بصورة الذم وبالعكس، والتقليل يرد بصورة التكثير وبالعكس، ونحو ذلك من أساليب الكلام التي لا يقف عليها إلا من تحقق بعلم اللسان، ولكل منها أمثلة.
ومن طريق المجاز العارض من طريق التركيب: إيقاعهم ذوات المعاني على السبب، ومرادهم السبب تارة، وتارة يوقعونها على المسبب، وإنما يفعلون هذا لتعليق أحدهما بالآخر، ولهما أمثلة كثيرة.
مخ ۶
الباب الثالث: /5/ في الخلاف العارض من جهة الإفراد والتركيب من ذلك أن الآية ربما وردت غير مستوفية الغرض المراد من التعبد، وورد تمام الغرض في آية أخرى، وكذلك الحديث؛ فربما أخذ بعض الفقهاء بمفرد الآية أو بمفرد الحديث، وبنى آخر قياسه على جهة التركيب بين الآيات المتفرقة، والأحاديث المتغايرة، وبناء بعضها على بعض، بأن يأخذ بمجموع آيتين، أو بمجموع حديثين، أو بمجموع آيات، أو بمجموع أحاديث؛ فيفضي الحال إلى الاختلاف أو إلى التناقض؛ فربما أحل أحدهما ما يحرمه الآخر، وربما أفضى إلى اختلاف العقائد فقط، أو إلى الاختلاف في الأسباب فقط، فركبوا القياسات، وخالفهم آخرون فرأوا الأخذ بظاهر الألفاظ فنشأ من ذلك نوع آخر في الخلاف. وقد ترد الآية والحديث بلفظ مشترك يحتمل تأويلات كثيرة، ثم ترد آية أخرى أو حديث آخر بتخصيص ذلك اللفظ المشترك، وقصره على بعض تلك المعاني دون بعض.
الباب الرابع: في الخلاف العارض من جهة العموم والخصوص
وهذا الباب نوعان:
أحدهما: يعرض في موضوع اللفظة المفردة. ... والثاني: في التركيب.
فالأول: نحو قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر}، وفي الحديث: «الكافر يأكل في سبعة أمعاء» وقد يأتي من هذا الباب في القرآن وفي الحديث أشياء يتفق الجميع على عمومها أو على خصوصها، وأشياء يقع فيها الخلاف.
مخ ۷
فمن العموم الذي لم يختلف فيه قوله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم}، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «الزعيم غارم»، و«البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» وفي الخصوص الذي لم يختلف فيه قوله تعالى: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم} وقد يأتي في هذا ما موضوعه في اللغة على العموم ثم تخصصه الشريعة كالمتعة.
الباب الخامس: في الخلاف العارض من جهة الرواية.
اعلم أنه تعرض للحديث علل فتحيل معناه؛ فربما أوهمت فيه معارضة بعضه ببعض، وربما ولدت فيه أشكالا يحيج العلماء إلى طلب التأويل البعيد، وهي ثمانية:
أولها: فساد الإسناد. ... ... ... ... والثانية: من جهة نقل الحديث بالمعنى.
والثالثة: من جهة الجهل بالإعراب. ... ... والرابعة: من جهة التصحيف.
والخامسة: من جهة إسقاط شيء من الحديث، لا يتم المعنى إلا به.
والسادسة: أن ينقل المحدث الحديث ويغفل نقل السبب الموجب له.
والسابعة: أن يسمع المحدث ويفوته سماع بعضه.
والثامنة: نقل الحديث من الصحف دون لقاء الشيوخ؛ ولكل منها أمثلة.
الباب السادس: في الخلاف العارض من قبل الاجتهاد والقياس.
وهو نوعان:
أحدهما: الخلاف الواقع من المنكرين للقياس والمثبتين له.
والثاني: خلاف يعرض بين أصحاب القياس في قياسهم، كاختلاف الشافعية والحنفية والمالكية ونحوهم، وهذا الباب شهير الذكر.
الباب السابع: في الخلاف العارض من قبل النسخ. وهو نوعان:
أحدهما: خلاف يعرض بين من أنكر النسخ ومن أثبته؛ وإثبات النسخ هو الصحيح.
مخ ۸
والثاني: بين القائلين به، وهو ثلاثة أقسام: أحدها: الخلاف في الأخبار، هل يجوز فيها النسخ، كما يجوز في /6/ الأمر والنهي أم لا؟ والثاني: اختلافهم هل يجوز أن تنسخ السنة القرآن أم لا؟ والثالث: اختلافهم في أشياء من القرآن والحديث، فذهب بعضهم إلى أنها نسخت، وبعضهم إلى أنها لم تنسخ.
الباب الثامن: الخلاف العارض من جهة الإباحة والتوسيع.
كاختلاف الناس في الأذان والتكبير على الجنائز، وتكبير التشريق، ووجوب القراءات السبع، ونحو ذلك. فهذه أسباب الخلاف الواقع بين الأمة"، انتهى ما اختصره صاحب الإتحاف من كلام أبي محمد البطليوسي.
وقال ابن رجب الحنبلي: "اختلاف العلماء في المسائل التحليلية والتحريمية لأسباب:
- منها: أنه قد يكون النص عليه خفيا لم ينقله إلا قليل من الناس، فلم يبلغ جميع حملة العلم.
- ومنها: أنه قد ينقل فيه نصان، أحدهما: بالتحليل، والآخر: بالتحريم؛ فيبلغ طائفة أحد النصين دون الآخرين، فيتمسكون بما بلغهم. أو يبلغ النصان معا من لا يبلغه التاريخ؛ فيقف لعدم معرفته بالناسخ.
- ومنها: ما ليس فيه نص صريح، كأنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس، فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيرا.
- ومنها: ما يكون فيه أمر أو نهي، فتختلف العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه ، وأسباب الاختلاف أكثر مما ذكرنا.
قال: /7/ وقد يقع الاشتباه في الحلال والحرام بالنسبة إلى العلماء وغيرهم من وجه آخر، وهو أن من الأشياء ما يعلم سبب حله وهو الملك المتيقن، ومنه ما يعلم سبب تحريمه وهو ثبوت ملك الغير عليه.
مخ ۹
فالأول: لا تزول إباحته إلا بيقين زوال الملك عنه، اللهم إلا في الأبعاض عند من يوقع الطلاق بالشك فيه كمالك، وإذا غلب على الظن وقوعه كإسحاق بن راهويه.
والثاني: لا يزول تحريمه إلا بيقين العلم بانتقال الملك فيه؛ وأما ما لا يعلم له أصل ملك كما يجده الإنسان في بيته، ولا يدري هو له أو لغيره؛ فهذا مشتبه، ولا يحرم عليه تناوله؛ لأن الظاهر أن ما في بيته ملكه لثبوت يده عليه، والورع اجتنابه، ومن هذا أيضا ما أصله الإباحة، كطهارة الماء والثوب والأرض، إذا لم يتيقن جواز أصله، فجوز استعماله. وما أصله الحظر كالأبضاع ولحوم الحيوان فلا يحل إلا بتيقن حله من التذكية والعقد، فإن تردد في شيء من ذلك لظهور سبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه؛ فما أصله الحرمة على التحريم، ويرجع فيما أصله الحل إلى الحل، فلا ينجس الماء والثوب والأرض بمجرد ظهور النجاسة، وكذلك البدن إذا تحقق طهارته، وشك هل انتقضت بالحدث عند جمهور العلماء، خلافا لمالك، إذا لم يكن قد دخل في الصلاة؛ فإن وجد سبب قوي يغلب معه على الظن نجاسة ما أصله الطهارة، فهذا محل اشتباه، فمن العلماء من رخص فيه آخذا بالأصل. ومنهم من كرهه تنزيها. ومنهم من حرمه إذا قوي ظن النجاسة.
مخ ۱۰
وترجع هذه المسائل وشبهها إلى قاعدة تعارض الأصل والظاهر، فإن الأصل الطهارة، والظاهر النجاسة، وقد تعارضت الأدلة في ذلك، وكل من القائلين بالطهارة والنجاسة استدلوا بدلائل من السنة قد بسطت في مواضعها". قال: "وقد يقع الاشتباه في الحكم لكون الفرع مترددا بين أصول تجتذبه، كتحريم الرجل زوجته؛ فإن هذا متردد بين تحريم الظهار الذي ترفعه الكفارة الكبرى، وبين الواحدة بانقضاء عدتها الذي تباح معه الزوجة بدون زوج وإصابة ، وبين تحريم الرجل عليه ما أحله الله له من الطعام والشراب الذي لا يحرمه؛ وإنما يوجب الكفارة الصغرى أو لا يوجب شيئا على الاختلاف في ذلك، فمن هنا كثر الاختلاف في هذه المسألة زمن الصحابة فمن بعدهم والله أعلم". انتهى كلام ابن رجب.
الفصل الثالث: في صفة أصحاب التخريج والتوجيه من المفتين وتفاوت درجاتهم باختلاف الأعصار...
نقل عن ابن الصلاح أن المفتين قسمان: مستقل، وغير مستقل.
فغير المستقل: هو المنتسب إلى أئمة المذاهب المتبوعة، وله أربعة أحوال:
أحدها: أن لا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله، لاتصافه بصفة المستقل؛ وإنما ينسب إليه لسلوك طريقته في الاجتهاد. ودعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم، ولا يلائم المعلوم من حالهم أو حال أكثرهم، ثم فتوى المفتي في هذه الحالة كفتوى المستقل في العمل بها، والاعتداد بها في الإجماع والخلاف، قال الأذرعي: وهذا شيء قد انطوى من زمان.
مخ ۱۱
الحالة الثانية: أن يكون مقيدا في مذهب إمامه، مستقلا بتقرير أصوله بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده، ولا يعرى عن شوب تقليد له لإخلاله ببعض أدوات المستقل، وهذه صفات أصحاب الوجوه، وعليها كان أكثر الأئمة والأصحاب.
الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه؛ لكنه فقيه النفس حافظ مذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقرير ما يصور ويحرر ويقرر، ويهمل ويزين ويرجح؛ لكن قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب، أو الارتياض في الاستنباط، أو معرفة الأصول ونحوها، وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة، الذين رتبوا المذهب وحرروه، وصنفوا تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم ولم يلحقوا الذين قبلهم في التخريج.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات؛ ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته، وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من منظورات مذهبه من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين فيه، وما لا يجده منقولا إن وجد في المنقول معناه، بحيث يدرك بكبير فكر أنه لا فرق بينهما، جاز له إلحاقه به والفتوى به، وهكذا ما يعلم أنه راجع تحت ضابط عهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه.
قال: وينبغي أن يكتفي في حفظ المذهب في هذه الحالة والتي قبلها، بكون المعظم على ذهنه، ويتمكن لدرايته من الوقوف على الباقي على قرب، فهذه أصناف المفتين.
قال ابن الهائم: وليت /8/ ابن الصلاح أثبت حالة خامسة على طريق الرخصة بحسب همم أهل هذا العصر، وقصور قواهم عن بلوغ هذه الرابعة؛ وإلا فلا تكاد تجد مفتيا بالشرط الذي اعتبره في المرتبة الرابعة". انتهى.
الفصل الرابع:
مخ ۱۲
في نبذة من أصول الفقه اعلم أن الفقه يشتمل على: واجب، ومندوب إليه، ومباح، ومحظور، ومكروه.
فالواجب: ما تناول تاركه الوعيد. والمندوب إليه: ما فعله فضل ولا إثم في تركه. والمباح: ما أطلق للعبد. والمحظور (المحرم): وهو ما يتناول فاعله العقاب. والمكروه: ما تركه فضل.
وفي الكلام: حقيقة، وفيه مجاز.
والأمر: صيغة تقتضي الوجوب.
والفرض: هو الواجب عندنا، وعند الشافعي. وعند أبي حنيفة وأحمد، الواجب: لازم، والفرض ألزم، وإليه ذهب بعض أصحابنا.
والتعميم: في أقل الجمع فصاعدا؛ فإذا عرف بالألف واللام، فهو تعميم، نحو: المسلمين، وكذلك إن كان بصيغة الواحد إن كان للجنس، نحو: قوله تعالى: {إن الإنسان لفي خسر}، ولا يعم شيء من أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بدليل.
والتخصيص: تعيين البعض دون الكل، والنطق إذا ورد على سبب تعلق به، إذا كان غير مستقل عن سببه.
والنسخ: الرفع، ولا يجوز إلا على ما يتناول الأعمال من تكليف الخلق. ويجوز نسخ القرآن بالقرآن والسنة، ونسخ السنة بالسنة والقرآن، ولا ينسخان بالإجماع ولا بالقياس.
وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شرع، وكذا تقريره.
ولا يجوز رواية الحديث بالمعنى إلا عند البعض للعالم دون غيره، ويرجح الخبر على الخبر بفضل راويه. وإجماع المسلمين من المجتهدين حجة في الشرع. وقول الصحابة مقدم على القياس.
والقياس: حمل الفرع على أصل في بعض أحكامه، بمعنى: يجمع بينهما، ويحتج به في جميع الأحكام الشرعية، وقد سماه الفقهاء : قياس علة، وقياس دلالة، وقياس شبه. ويشتمل القياس على أربعة أشياء، على: الأصل، والفرع، والعلة، والحكم.
مخ ۱۳
والمجتهد: من عرف طرق الأحكام من الكتاب والسنة، وموارد الكلام ومصادره، ومجازه وحقيقته، وعامه وخاصه وناسخه ومنسوخه، ومطلقه ومقيده، ومفسره ومجمله ودليله، ومن أصول العربية ما يوضح له المعاني، وإجماع السلف وخلافهم، وعرف القياس وما يجوز تعليله من الأصول مما لا يجوز، وما يعلل به وما لا [يعلل]، وترتيب الأدلة، وتقديم أولاها، ووجوه الترجيح، وكان ثقة مأمونا، قد عرف بالاحتياط في الدين، فإذا اجتمعت هذه الشروط في إنسان ساغ له الاجتهاد.
قال المصنف: مبتدئا بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، فإنه مصدر بها، واتباعا للسنة، فإنه قد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر» وفي رواية «أقطع» وفي رواية «أجذم» والمعنى واحد.
وكذلك الابتداء بالحمد لله بعد البسملة، إنما يكون اقتداء بالكتاب العزيز، وعملا بالسنة؛ فقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله والصلاة علي فهو أقطع أبتر ممحوق من كل بركة»، وفي هذا الحديث الأمر بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الثناء على الله تعالى في أوائل كل شيء له بال، أي: له شأن في الشرع، كما عليه صنيع المؤلفين؛ فإنهم يبدؤون بالبسملة، وبعدها بالحمدلة، ثم بالصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
والفرق بين الابتداء بالبسملة وبين الابتداء بالحمدلة ظاهر؛ فإن الابتداء على نوعين:
مخ ۱۴
1- ابتداء حقيقي: وهو ما قدم أمام المقصود ولم يسبق بشيء، كالابتداء بالبسملة. وابتداء إضافي وهو ما قدم أمام المقصود وقد سبق بشيء كالابتداء بالحمدلة، وإنما سمي هذا النوع إضافيا؛ لأنه إنما يكون الابتداء بالنظر إلى ما يليه لا إلى ما قبله، فهو بالإضافة إلى ما بعده ابتداء، وبالنظر إلى ما قبله غير ابتداء. فبين النوعين عموم وخصوص مطلق، إذ كل حقيقي إضافي ولا عكس.
[تفسير البسملة وبعض أحكامها]
(بسم الله الرحمن الرحيم) الباء للاستعانة، وكسرت لتناسب حركتها عملها، فإنها تعمل الكسر في الأسماء، وطولت في الرسم ليكون ذلك التطويل عوضا عن الألف المحذوف في (اسم). وقيل: إنما طولت تعظيما لها وتشريفا حيث انكسرت، وفي الحديث: «من تواضع لله رفعه الله»، ونقطت نقطة واحدة إعلاما بأن الله واحد لا ثاني له ولا شريك له في شيء من صفاته، ولا في شيء من أفعال، ومن كان هذا وصفه وجبت له العبادة، وحرم الكفر به؛ فمن ها هنا قال من قال: "إن أحكام القرآن كلها داخلة تحت نقطة الباء".
مخ ۱۵
وبيان ذلك: أن الأحكام إما أمر أو نهي، وامتثال جميعها عبادة، والعبادة واجبة للواحد الأحد، وقد دلت على وحدانية الله تعالى نقطة الباء؛ وهذا إنما هو بيان لإعجاز القرآن، وظرافة نكته ولطافة معناه؛ وإلا فالأدلة على وحدانية الله تعالى شاهرة ظاهرة، منها ما يكون من جهة العقل، ومنها ما جاء من جهة السمع، ومنها ما يرى بالأبصار، ومنها ما يشم بآلة الشم، ومنها ما يطعم بالفم، إلى غير ذلك مما لا يحصى عددا، كما دل عليه القرآن العظيم في غير موضع كما في قوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} وقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دآبة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون} وقوله تعالى: {ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، ولله در القائل:
فيا عجبا كيف يعصى ... الإله ... أم كيف يجحده ... الجاحد
ولله في كل ... تحريكة ... وفي تسكينة أبدا ... شاهد
مخ ۱۶
وفي كل شيء له ... آية ... تدل على أنه ... واحد والاسم: هو اللفظ الدال بالوضع على موجود في الأعيان إن كان المسمى محسوسا، وفي الأذهان إن كان معقولا، من غير تعرض بهيئته للزمان، كذا قيل، وهو مختص بالمخلوقات المحسوسة وغير المحسوسة، لأن وجود الله تعالى لا يقيد بأعيان ولا بأذهان، وإنما هو الموجود على الحقيقة، ووجوده مباين لوجود غيره - سبحانه وتعالى - ؛ فالاسم في حقه تعالى إنما هو دال على ذاته العلية الواجبة الوجود، فمن ها هنا قال من قال من أصحابنا: "إن المراد باسم الله هو الله" محتجا بقول لبيد:
... إلى الحول ثم اسم السلام ... عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد ... اعتذر
/10/ وهذا المعنى هو الذي اعتمده ابن النظر في دعائمه حيث قال:
... وقولك باسم الله فالاسم ... زائد ... وليس له معنى سوى الله ... ذي الكرم.
وقد اختلف المتكلمون في الاسم والمسمى؛ فقيل: هما واحد. وقيل: الاسم غير المسمى، وليس الخلاف في الحروف الدالة على المعنى إذ لا يشك عاقل أن حروف (زيد) هي غير زيد، وإنما الخلاف في مدلول الاسم؛ فذهب قوم إلى أن مدلول الاسم عين المسمى، وهو مذهب أصحابنا، وقيل: بل هو غيره. ولعل مراد هؤلاء بمدلول الاسم ما يتصور في الأذهان من مفهوم ذلك الاسم، وأن ذلك المتصور غير المسمى، فإن كان هذا هو المراد عندهم، فالخلاف بيننا وبينهم لفظي؛ لأنا لا نريد بمدلول الاسم ذلك المعنى المتصور في الأذهان، وإنما نريد مسماه الحقيقي، والله أعلم.
مخ ۱۷
والله اسم للذات من حيث هي عند الجمهور، وقال بعضهم: للذات والصفة معا، وهو لفظ عربي علم لموجد العالم، وليس بمشتق عند الأكثر. وقيل: مشتق من الوله؛ لأن القلوب تله إليه، أي: تحن إلى لقاء رحمته تعالى. وقيل: مأخوذ من الإله، والإله عند العرب: اسم لكل معبود، ولذلك كانت تسمي الأصنام آلهة.
(والرحمن الرحيم) قيل: هما اسمان لطيفان لله تعالى. وقيل: هما صفتان مشتقتان من رحم، بعد نقله إلى فعل بضم العين؛ لأن الصفة المشبهة لا تشتق إلا من فعل لازم، وهذا مطرد في باب المدح، مثل: رفيع الدرجات وبديع السموات، وعلى هذا فهل هما صفتا ذات، أو صفتا فعل؟ قولان، فيفسران على القول الأول بمريد الرحمة لعباده، ويفسران على القول الثاني بموصل النعم لعباده، وهما عندنا من الصفات ذوات الوجهين، فيكونان باعتبار تفسيرهما بالإرادة صفتي ذات، وباعتبار تفسيرهما بالفعل صفتي فعل.
واختلفوا: هل الرحمن أبلغ من الرحيم، أم هما بمعنى واحد؟ فقال قوم: إن الرحمن أبلغ من الرحيم؛ لأن فيه زيادة بناء، وزيادة البناء تدل على زيادة المعنى. وقيل: هما بمعنى واحد كندمان ونديم، وعالم وعليم؛ فعلى القول بأنهما بمعنى واحد الإشكال في تقديم أحدهما: على الآخر. وأما على القول بأن الرحمن أبلغ من الرحيم، ففي تقديم الأبلغ على غيره بحث؛ لأن من عادة العرب تأخير الأبلغ وتقديم غيره، ليكون ذلك ترقيا من الأدنى إلى الأعلى.
وأجيب عن هذا البحث: بأنه إنما قدم الرحمن على الرحيم لكونه من الأسماء المختصة به تعالى، كاسم الجلالة؛ فقدم الأخص على ثم الأخص، والله أعلم.
مخ ۱۸
و(بسم الله الرحمن الرحيم) آية من الفاتحة وعليه مذهبنا. قال الخطيب: وعليه قراءة مكة والكوفة وفقهائهما وابن المبارك والشافعي.
وقيل: ليست منها. قال الخطيب: وعليه قراءة المدينة والبصرة والشام وفقهائها والأوزاعي ومالك.
قال: ويدل للأول ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - عد الفاتحة سبع آيات، وعد (بسم الله الرحمن الرحيم) آية منها ما رواه البخاري في تاريخه، وروى الدارقطني عن أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قرأتم {الحمد لله} فاقرؤوا: {بسم الله الرحمن الرحيم} إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني، و{بسم الله الرحمن الرحيم} إحدى آياتها»، وعن أم سلمة - رضي الله عنها - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - /11/ عد {بسم الله الرحمن الرحيم} آية، والحمد لله رب العالمين إلى آخرها ست آيات»، قال ابن الخطيب: رواه عنها ابن خزيمة باسناد صحيح. وعن علي قال قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «كيف تقرأ إذا أقمت الصلاة»؟ فقلت: "الحمد لله رب العالمين"، فقال: «قل: {بسم الله الرحمن الرحيم}»، وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأها حتى مات، وقرأها أبو بكر حتى مات، وقرأها عمر حتى مات، وسئل عنها ابن عباس فقال: أو قد تركت؟ إن أول شيء اختلس الشيطان من بني إسرائيل {بسم الله الرحمن الرحيم} وقد اختلسها منهم إبليس، وإن الله أمرهم بها إذ قال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، وقال: {إنه من سليمان وإنه...}.
مخ ۱۹
وهذه الأدلة حجة على أبي حنيفة في قوله: "إن {بسم الله الرحمن الرحيم} ليست من القرآن إلا في سورة النمل"؛ لأن هذه الأدلة دالة على أنها آية من فاتحة الكتاب، وأبو حنيفة يزعم أنها ليست من القرآن رأسا إلا في سورة النمل. وقد خالفه بعض أصحابه في ذلك، فأثبتها آية في كل موضع ذكرت فيه، قال: ولكن ليست من السورة.
والحجة على أنها آية في كل موضع ذكرت فيه من القرآن إجماع الصحابة على إثباتها في المصحف بخطه أوائل السور سوى "براءة" مع المبالغة في تجريد القرآن عن الأعشار وتراجم السور والتعوذ؛ فلو لم تكن قرآنا لما أجازوا ذلك لئلا يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا.
وأيضا: هي آية من القرآن في سورة النمل قطعا، ثم إنا نراها مكررة بخط القرآن فوجب أن تكون منه، كما أنا لما رأينا قوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وقوله: {ويل يومئذ للمكذبين} مكررا في القرآن بخط واحد، وبصورة واحدة.
قلنا: إن الكل من القرآن. فإن قيل: لعلها ثبتت للفصل. أجيب: بأنه يلزم عليه اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، وإلا ثبتت في أول "براءة" ولم تثبت في أول "الفاتحة".
فإن قيل: القرآن إنما يثبت بالتواتر. أجيب: بأن إثباتها في المصحف بخطه من غير نكير في معنى التواتر. وأيضا: قد يثبت التواتر عند قوم دون آخرين.
فإن قلت: لو كانت قرآنا لكفر جاحدها.
أجيب: بأنها لو لم تكن قرآنا لكفر مثبتها؛ وأما "براءة" فليست البسملة آية منها بإجماع، وسيأتي للبسملة أحكام في كتاب الصلاة إن شاء الله تعالى.
مخ ۲۰