المسألة الثالثة: [مزاعم العيسوية ببعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ] زعمت طائفة من اليهود يقال لهم: (العيسوية): أن محمدا رسول الله لكن إلى العرب لا إلى سائر الطوائف، وتمسكوا بقوله تعالى:
{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم}، وتمسكهم بالآية من وجهين:
الأول: أن القرآن لما كان نازلا بلغة العرب لم يعرف كونه معجزة بسبب ما فيه من الفصاحة إلا العرب، وحينئذ لا يكون القرآن حجة إلا على العرب، ومن لا يكون عربيا لم يكن القرآن حجة عليه.
الثاني: قالوا إن قوله: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} المراد بذلك اللسان: لسان العرب، وذلك يقتضي أن يقال إنه ليس له قوم سوى العرب، وذلك يدل على أنه مبعوث إلى العرب فقط.
والجواب عن الأول: أن عدم المعرفة بالمعجزة لا تبطل كونها معجزة في نفسها؛ فالقرآن معجزة عرف أنه معجزة أم جهل، ولا يشترك في كون المعجزة معجزة معرفة الناظر فيها أنها معجزة، وإلا لزم عذر كثير من المشركين المعاندين؛ لأن كثيرا منهم أغبياء جهال لا يعرفون الحق من الباطل، فإذا جاءهم نبيهم بمعجزة قالوا: {هذا سحر مبين}.
وأيضا: فإن معجزات نبينا - عليه السلام - كثيرة العدد لم تحصر في القرآن خاصة بل متنوعة على أنواع كثيرة والقرآن أحدها، فإذا اشترطتم المعرفة في كون المعجزة معجزة فسائر معجزاته - صلى الله عليه وسلم - قد أدركت بالإبصار كانشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - .
مخ ۴۴