والكلام على الألف واللام في الحمد، وعلى اللام الداخلة في اسم الجلالة، وعلى حقيقة الحمد يحتاج إلى بسط، وقد اعتنى به المفسرون فليرجع من محله.
ونذكر في هذا المقام مسائل لا بأس بذكرها لأجل الرد عليها:
المسألة الأولى: [في الرد على من لا يجوز أن يأمر الله عبيده بأن يحمدوه]
حكى الفخر الرازي عن فريق من العلماء أنهم قالوا: إنه لا يجوز أن يأمر الله عبيده بأن يحمدوه. وهذه المقالة لئن تنسب إلى فريق من المبرسمين أحق من أن تنسب إلى فريق من العماء، ثم العجب من الفخر الرازي حيث أورد مقالتهم، وذكر احتجاجهم على ذلك ثم لم يتعرض لرد شيء من ذلك، ولا بأس أن نورد ما أورده الفخر من احتجاجهم على ذلك لنبين وجه ضلالهم، ونوضح بطلانهم.
اعلم أن الفخر أورد عنهم احتجاجا من وجوه:
أحدها: أنهم قالوا: إن ذلك التحميد إما أن يكون بناء على إنعام وصل إليهم أولا، وبناء عليه قالوا: والأول باطل؛ لأنه يقتضي أنه تعالى طلب منهم على إنعامه جزاء ومكافأة، وذلك يقدح في كمال الكرم، فإن الكريم إذا أنعم لم يطلب المكافأة.
وأما الثاني: فهو إتعاب للغير ابتداء، وذلك يوجب الظلم.
قلنا: بل أمرنا - سبحانه وتعالى - بالحمد على كل حال، وهو مع ذلك لم يرد منا جزاء ولا مكافأة على نعمة صدرت منه إلينا، بل الحمد الذي أمرنا به إنما هو زيادة فضل لنا، فنفع التحميد وفائدته عائد إلينا لا إليه تعالى. فالتحميد كسائر العبادات في الأوامر، ولو لم يكن لنا في ذلك انتفاع لما كان تكليفنا بذلك ظلما، فإن الخلق والأمر له تعالى، والمالك الذي لا اعتراض عليه متصرف في ملكه كيف يشاء، فلا يكون فعله في ملكه ظلما، والله أعلم.
مخ ۲۴