من ذلك ما قلنا به من قول الله: {أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة:43، وغيرها]، فنزلت هاتان اللفظتان في القرآن موصلتين، وجاءتا فيه مجملتين، فاحتملت الصلاة أن يصلى كثيرا أو قليلا، إذ جاء ذلك مجملا، ثم فسر الله ذلك على لسان جبريل، كما نزل على لسانه القرآن الجليل، فجعل الله الظهر أربعا، والعصر أربعا، والمغرب ثلاثا، والعتمة أربعا، والصبح اثنتين، فبين لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم تفسير ما جاء في كتابه مجملا؛ من أمره بالصلاة جزما، ولم يكله إلى أن يتكمه في ذلك تكمها، ولا أن يتخبط فيه صلى الله عليه وآله وسلم تخبطا. وكذلك لما أن قال سبحانه(1): {وآتوا الزكاة}، احتمل أن تؤخذ من كل دينار ودرهم، وشاة وجمل، ومد ومكوك(2)، ومن الغني والفقير، ومالك ألف شاة، ومستغل ألف مد، ومستغل مد، وصاحب ألف دينار وصاحب دينار؛ لأنه سبحانه يقول: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة: 103]، ولم يفسر فيما أنزل من القرآن، كم يأخذ من كل إنسان، مالك الحقير والقليل، ومالك الكثير والجليل. ثم فسر سبحانه على لسان الملك الذي نزل بالقرآن، من عند الواحد الرحمن؛ ما يجب في الأموال، وما يؤخذ من أهلها في كل حال، وما يجب على المالك المؤسر، وفي كم تسقط عن المالك المعسر، وكم هي؟ وكيف هي؟ حتى سنن أسنان مواشيها، فجعلها سنا سنا، في عدد معروف معلوم، وكذلك فيما يكال ويوزن من الوزن والكيل المفهوم.
مخ ۶۵۴