ونقول: إن الله سبحانه لم يكل شيئا من ذلك إلى نبيه يبتدعه ولا يشرعه، ولا يفرضه ولا يثبته، إذا لقد كلفه شططا من أمره، وألزمه معوزا من فعله، بل القول في ذلك المبين، والحق النير اليقين؛ أن الله سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه؛ أصل(1) أصول فرائضه في الكتاب المبين، ونزله على خاتم النبيين، فجعل في كتابه أصل(2) كل ما افترضه من الدين، وبينه لجميع العالمين، فكانت أصول الدين في الكتاب كلها، وجاءت الفصول مفصولة، والفروع المفرعة؛ إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الله ذي الجلال والإكرام؛ على لسان الملك الكريم؛ جبريل الروح الأمين، فنزل شرائع(3) الدين، وتفريع أصول القرآن المبين، على محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما نزل عليه السلام بالأصول إليه، وكان نزوله بالفروع مفرعة؛ كنزوله بالأصول المجملة المجتمعة، وأدى جبريل الروح الأمين، إلى محمد خاتم النبيين؛ فروع شرائع الدين، عن الله رب العالمين؛ كما أدى مجملات أصول القرآن المبين. والسبب في تفريق ذلك من الله، فنظر من الله لبريته، وعائدة على خلقه، ولطف في فعله وصنعه، وتقوية لمن أراد حفظ كتابه، وجعل(4) ما نزل من وحيه وبيانه. فخفف عنهم في الكتاب، وأعانهم بذلك في كل الأسباب، ففرق بين الأصول الموصلة، والفروع المفرعة، فجعل الأصول في الكتاب مجملة جاء بها جبريل، وجعل الفروع في غير الكتاب جاء بها أيضا جبريل، وكل من الله(5) وحي مبين وتفصيل، وفرضا منه سبحانه وتنزيل، بعث بهما كليهما رسولا واحدا، ملكا عند الله مقربا، أمينا مؤتمنا، فأدى إلى الرسول ما به أرسل، وتلا عليه من ذلك ما أمر بتلاوته عليه، فكان ذلك من الله فرضا مميزا، ودينا من الله مفترضا، لم يكن من رسوله فيه اختيار، ولم يشرع لأمته من دين الله إلا ما شرع الله، ولم يأمرها إلا بما أمرها الله، ولم ينهها إلا عما نهاها الله.
مخ ۶۵۳