قيل له: ليس هذا مما يلزمه التوفيق، ولا يجوز عليه فيه طرف من التحقيق، لما فيه من عظيم فروض الله، وجليل صنع الله، وأمره ونهيه، وزجره وفعله، وما أوجب به وفيه وعليه من الثواب للمطيعين، والعقاب على العاصين. وإنما يكون من الله التوفيق في غير المفروضات من الأمور، فأما شرائع الدين؛ وما تعبد به المسلمين؛ فلا يكون إلا بتبليغ الرسل، والاحتجاج بذلك على جميع الملل. فلا يجد بدا من الإقرار بالحق، والتعلق بعلائق الصدق(1)، والرجوع إلى قول المؤمنين، أو أن يثبت على باطله، من بعد إثبات الحجة (عليه في مذهبه) (2)، فيكون عند نفسه وعند غيره مكابرا، وللحجج البالغة مناصبا، ولا يجوز له في دينه احتجاج ولا بيان، ولا يجد على الباطل بحمد الله عونا ولابرهانا، فإذا بان له خطأ هذين المعنيين، وفساد هذين الوجهين؛ لم يجد بدا من أن يقول بقولنا؛ فيزعم أن جميع ذلك من الله سبحانه وحي أوحاه إلى نبيه على لسان ملكه، كما أوحى القرآن على لسانه.
ولعمري ما سبيل أصول الأحكام، وما تعبد الله به أمة محمد عليه السلام؛ إلا كفرعها، ولا فروعها إلا كأصولها، وما أصولها وإن جاءت في الكتاب مجملة؛ بأوكد فرضا من فروعها المتفرعة، وما كان محمد عليه السلام إلى علم مجملها؛ بأحوج منه إلى علم فروعها؛ لأن الفروع هي العمل، والعمل فهو الإيمان؛ لان الإيمان كما قال أمير المؤمنين: (( قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول )). والفروع فهي أصول الأعمال وأصول الإيمان، وإذا كان ذلك كذلك؛ فلا بد أن سبيلها عند الله كسبيل ما أجمل في القرآن، لا يختلف معنى الفروع والأصول، إلا عند من سلب العقول.
مخ ۶۵۸