ومن الحجة في ذلك أن يقال لمن قال أو ظن هذا القبيح من الظن: أخبرنا عن دين الإسلام وأحكامه، وما جعل الله تبارك وتعالى فيه من نوره وبرهانه، وما اختار(1) فيه سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ هل كان عند الله معلوما، ومن قبل خلق الدنيا في علمه تبارك وتعالى مفهوما، لا يزل عنه منه صغير، ولا يغيب عنه طول الدهر منه كبير؟ فلا يجد بدا من أن يقول: نعم، قد كان دين الإسلام وشرائعه، وما جعل الله تبارك وتعالى فيه من فروضه وحدوده؛ عند الله سبحانه معلوما، لم تزد بعثة محمد ولا إيجاده في حدود الإسلام وما علمه الله من فرائض دين محمد عليه السلام شيئا، بل جاءت وكانت، وافترضت وبانت؛ بعد بعثة محمد على الأصل الذي كان عند الله معلوما، الذي(2) اختاره على الأديان كلها لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ولأمته.
فيقال له عند إتيانه بما ذكرنا، وتثبيته(3) لما قلنا وشرحنا: أيها المناظر، إذا كان عندك هذا القول على ما قلت، فمن أين علم محمد صلى الله عليه جميع ذلك؟ حتى استخرج مكنون علم الله القديم، وشرائع دين الله الكريم، حتى أتى بها على ما كانت، وبينها على ما فرضت، وأقامها على ما حددت، من قبل إيجاده وخلقه، وكينونته (وبعثته) (4).
فإن قال: استخرجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعقله، واستدل عليها بلبه.
قيل له: سبحان الله ما أجهل هذا المقال، وأفحش هذا الفعال؟! وكيف يستدل بعقل على علم غيب عند الله مكتوم؟! هذا ما لا يكون أبدا؛ إذ المخلوقون(5) لا يعلمون غيبا، ولا يفهمون (6) مما استسر به سرا.
فإن قال: علمه بتوفيق الله.
مخ ۶۵۷