توقف إيشبخدر عدة أيام فى منازل بنبك بإيروان، وفى أواخر شهر ربيع الأول [1219 ه. ق] يوم الأحد وفى أثناء العصر، توجه من هناك وبازدحام كامل وكثرة لا كلام فيها وبرأس مليئة بالفساد والشرور حاملا، متاع النخوة والغرور، وكان قد اقترب جمع من جيش روسيا- فى أثناء الوصول إلى تلك الحدود- من قلعة كليسيا وكانوا قد تصوروا أنها خالية، وفى تلك الحالة، أمسك قليل من حراس ملجأ الظفر الذين كانوا هناك- ببنادقهم ووقفوا صامتين، وبالقرب من أسوار القلعة ، فتحوا على صدورهم طلقات البنادق، فأصابوا عدة أشخاص وقتلوا عدة أشخاص، وأوصل حراس جيش أثر الظفر هذا الخبر إلى نائب السلطنة، وفى تلك الأثناء كانت الشمس قد اقتربت إلى الغروب، فقرر النائب ولى العهد لعلى قلى خان شاهسون الذى كان رجلا شجاعا وخبيرا ومن فدائية بلاط ملجأ العالم- بأن يكون مع جمع من الأبطال الرجال فى كمين العداوة بالقرب من أوتش كليسيا، وبأن يكون مراقبا لأحوال الروس، ولا يتركون تلك الجماعة مستريحين حتى الصباح بسبب إثارة غلغلة الجرح والتمرغ فى الولولة والعويل والصراخ، وفى صباح الاثنين رغب مشاة وفرسان معسكر العالم فى البحث عن المكان، وزينوا صدورهم وأكتافهم بأنواع السلاح، ولأنه فى مثل ذلك اليوم، قد صار خندقان خاليين من الجيش، فكان يظن أن ساكنى قلعة إيروان انتهزوا الفرصة وأوصلوا العين الجارحة فجأة إلى الأمتعة والأثاث والأحمال والأثقال، فقرر النواب ولى العهد مراعاة للحزم والاحتياط لآصف الحضرة ميرزا محمد شفيع الوزير القديم وأحمد خان مقدم حاكم تبريز ومراغة مع جمع من الفرسان والمشاة لحراسة الخندق، وأخذ جيش الإسلام فى التحرك من مقامه فوجا فوجا، فصاروا مجتمعين تحت ظل لواء النواب نائب السلطنة الطاحن للفلك، وصاروا مسرعين من اليمين واليسار إلى ساحة الحرب والقتال، وبسبب صخب كارثة الحرب وصراخ الحناجر سقطت الولولة على الفلك الأعلى والزلزلة فى أجزاء الأرض، وقام إيشبخدر قائد روسيا بتعبئة الصفوف وتسوية الألوف بالقرب من أوتش كليسيا «1» بسبب مراقبته لنهضة وتحرك الأمير، [ص 113] فقسم مدافعه ثعابين المهابة ومشاته نمور الصولة على شكل ثلاث قلاع حيث كانت كل قلعة منفصلة عن الأخرى ب مأتى قدم، وجلس هو كالشعلة وسط مدافع نيران جهنم، ولما وصل الجيشان فى مقابل بعضهما، رفع الروس أيديهم فى أول ميدان المعركة على عربات المدافع المفسدة للعالم، وشرعوا فى القذف بالقنابل الفالقة لجبال الألبرز، وبسبب رعد وبرق البنادق وصل اللهب والشرر إلى سقف السماء، وأخذ جيش الإسلام فى التحرك من صفوفه بأمر نائب السلطنة والخلافة بسبب مشاهدته لهذا الحال، وانفصل من بين الصفوف فرسان طوائف شاهسون وخواجه وند وعبد الملكى، وحرضوا على قلعة من تلك القلاع الثلاثة الجواد العظيم الهيكل الذى له المقدرة على السير فى التراب والمشى فى الماء، فأسقط جيش روسيا على رءوسهم وعلى خنادقهم قنابل المدافع ورصاص البنادق مثل البرد، وجرى فرسان معركة النزال وسط ألسنة اللهب الحادة، وبحد سيف الدم صعدوا قطرات الدم من رءوس الأعداء إلى أوج الفلك العالى، فصار مشاة روسيا مضطربين كالنمر الغاضب، وكان فضاء المعركة مضيئا ومظلما بسبب برق ودخان مدافعهم وبنادقهم، فتحركت أقدام ثباتهم واستقرارهم من المكان وفروا من تلك القلعة إلى قلعة أخرى، ورفع جيش الإسلام الذى شعاره الظفر يده بالإغارة والنهب على خيمة وعتاد تلك الجماعة، وأسروا وقبضوا على جمع منهم، ووقع إيشبخدر على جانبه بسبب فزعه من صعوبة القتال وغلبة الأبطال الرجال وكان يشير بيده كل لحظة، فكان يرغب المشاة فى الحرب والسعى.
ولما صار كسرى منتصف النهار متمايلا إلى خلوة الغروب، وشاهد حجاب الظلام فى الأمام، ولولا حائل الإبصار، فانسحب جيش الإسلام من الحرب بأمر النائب الأمير ورجعوا من ميدان الصراع والجدال، واستراحوا فى مخابئهم، وقتل وجرح جمع كثير من بين الطرفين، كما تم القبض على جمع من الروس وفرسان القوزاق وأسرهم، وانشغل الطرفان لمدة ثلاثة أيام متوالية بالحرب والقتال، ولما لم يظهر وجه شاهد الفتح [ص 114] فقد سكن كل واحد من الجيشين إلى معسكره من أجل الاستعداد والتجهز. وبسبب غرور إيشبخدر- الذى كان يعلمه رئيس ديوان شجعان العصر- فكان قد كتب فى بداية هذه الرحلة ومعه جمع من شجعان الكرجستان إلى ملك روسيا وتعهد بأن يخضع ولاية إيروان بنفس ذلك الجيش، وبسبب مشاهدته لهذا النوع من القتال فقد لقى الهزيمة وانسحب من معركة الحرب، وعض على أسنان اليأس وتعبت يداه، وتخندق أبطال جيش الإسلام على هيئة أفواج فى خنادق العداوة وتربصوا لهم فى كمائن العناد، وفتحوا فى وجوههم أبواب التجسس.
مخ ۱۴۸