ترجمة نص كتاب «المآثر السلطانية»
فى العهد المبارك مهد ملك الدنيا الواسعة، ملك الملوك، صاحب القران «1»، السلطان فتح على شاه القاجارى، وبفرمان نائب السلطنة والخلافة ولى عهد إيران الأمير الموفق عباس ميرزا، طبع هذا الكتاب المستطاب (المستحب) المسمى با" المآثر سلطانية" من مؤلفات بلاغة الحجج، فخر المحققين مولانا عبد الرزاق بيك الدنبلى، فى دار الطباعة بدار السلطنة تبريز، فى شهر رجب سنة ألف ومائتين وإحدى وأربعين هجرية قمرية.
مخ ۲۷
المقدمة
إن التوقيعة الملكية الغراء الممجدة، التى تفوح برائحة الورد والعنبر الطيبة على ساحة الأرض من عطر طرة جماله، والديباجة البديعة البيان الممدوحة التى تزين أيضا أذن وعنق الفلك من شعاع جواهره الرصيعة، موشحتان ومزينتان باسم مسمى الملكية. وحيث خلق جسد آدم الطاهر من حفنة تراب باقتضاء الحكمة البالغة فى دار صنع لا ريب فيه، وبعد أربعين صباحا من تخمير وتشريف اليد الإلهية وشأبيب الرحمة على تلك التربة، سمح للئلاء الروح، وهى الجوهر المجرد من تطرق الحوادث وسنوح السوانح، بتزيين العالم واستحسان حكمه فى قالبها الحيوانى، ولأنه [أى الله عز وجل] أعطى إذن الحكم لأعاظم ملوكه فى ملك البدن، وعمر ذلك القصر الملكوتى بوجود عشرة خدام لكل بدن من ذوى المفاخر الذين يدعون قواه الباطنية والظاهرية، التى تفتح عقود الأسرار بغلبة المعرفة وتمييز الحق من الباطل، وتظهر طائر فهمه بجناح التجرد على شرفة إيوان الزاهدين. وثانى تلك الأثنية والمحامد أنه عمر تحفة سيد الكائنات وتاج الموجودات وناثر بلاط ملك الأولياء وفخر الأوصياء وآله وأولاده «1»، الذين هم السحاب الممطر والأسود الغادرة وكواكب السماء وشموس الرفعة وباعثو وجود النجوم والأفلاك ومزينو عرش الماء والطين حتى أرضت ريح الصبا فى كل سحر صانع العطور والبلبل من عشق الورد.
مخ ۲۹
أما بعد، فاليوم، الجواهر المجردة والمنزهة فى زهو وتباه، وأصحاب محافل القدرة فى سعادة وسرور، وذرات عالم الأكوان فى سعة وانبساط، والكل يبحث عن إكمال السبيل والطريق معا، ويسبحون ويهللون بأن موجد النفوس والعقول وصانع الإبداع والتكوين (الخلق) قد وضع ساحة الأرض مزخرفة ومزينة تحت إمكان (قدرة ) سلطان السلاطين بطل الماء والطين «2»، وبأن مبشر الرحمة ومنشر الرأفة فتح أبواب العيش والراحة (ص 3) وأبواب السرور والأمن فى وجه العالمين، والدنيا والجنان والأرض الخالدة للشاهنشاه (ملك الملوك) الأعظم مالك رقاب الأمم كسرى الترك والعجم، حاكم بنى آدم، الجالس على العرش الكسروى، الزاهد ذى القلب المشمس، سماء ظل عرش الخلافة، كرسى إقبال الشمس، جمال نور القمر، كمال الشمس، عدم زوال أساس العظمة، ظل الحشمة، أساس الشوكة، زينة الدولة، نصرة الحرب، جنة المحفل، عظمة الدولة، هدوء وراحة السلطنة، سماحة سلوة الطبع، فصاحة اللغة، بلاغة البيان، شرف الحسب، أدب النسب، رفعة الفلك، منعة طاقة الأرض، ضياء صدر النجوم، بقاء الشعب، وفاء الشباب، المرآة الصافية للقلب، وصول الأجل للعدو، حصن الأمل للصديق، حسن العمل للمذنب، راحة المتألم، فتوح البطل المقيد؛ ففى اللحظة التى يظهر فيها يده الإلهية تكون الدنيا بأسرها غريقة فى النعمة والنعيم، وفى اللحظة التى يضغط فيها بقدم السطوة تكون الدنيا بأسرها شعلة نار الجحيم. فانظر إلى العرش المرصع، العرش المعظم فى إيوان السلطنة بين عالم الروح وروح عالم العلة غاية خلقه جوهر بحر علمه وبصيرته. [بيت ترجمته].
إنه حضرة فتح على شاه الذى وجوده من الأزل ... والذى فاضت به روح القدس والأرواح المطهرة
مخ ۳۰
والذى لازال ظلال إقباله على مفارق الأنام إلى يوم القيام، فسبحان الله! فما عدم الوعى هذا والفكر غير الناضج وعدم التعقل، وكيف تشرح أوصافه؟ وتعداد محامد أخلاقه على الألسن ومن بينها نشر الرحمة وبشر عطف وحب حضرته والتى وضعها منة على أهل أذربيچان، وفتح باب الدولة وأعطى صلات النعمة لابن الملك حاكم الدنيا باسط العدل ابن السلطان المظفر، وجعله حامى الإسلام وملجأ الأنام وأساس أمل الخواص والعوام، وهو جمشيد مملكة الشمس ومؤسس العدل وأنوار الشمس ومحبة الملائكة وطلعة البحر حاكم خاتم الطين جواهر البحر سلطان السلاطين منجم الرأفة والإحسان نائب السلطنة الياقوت المتلألئ لذلك المنجم ملك الملوك خاتم جمشيد اللائق بالإقبال الأمير المتمكن المزين للعرش (ص 4) الذى يهتز العصر من دولته وقدرته، والفتنة من سياسة هذا المعفى رءوس فى عتبة فلك الحضرة كالأرض، والقلوب طاوية للطريق بإرادة هذا الحاكم والسياسة الملكية لملك الملك ونزاهة النفس الملكية لابن الملك الحر [بيت ترجمته].
حضرة الشاه عباس ذلك الذى فى الإيوان ... يده كالبحر تحمل الذخائر
والأمل هو البقاء حتى الزمان والرضا للقمر والنجوم، ولئلا تكون آفة الزوال لهذه الدولة، ولئلا تصل عين الكمال [عين الحسد] إلى هذه الشوكة بمحمد وآله الأمجاد.
[بيت ترجمته].
ساحة العالم على هذا النسق ... وأمر العالمين على هذا الرونق
مخ ۳۱
1 - شرح أحوال الطائفة القاجارية
ما إن وصل الفرمان من إيوان السلطنة الخالدة إلى العبد الفقير حاوى الأوراق عبد الرزاق بن نجفقلى، بأن يقوم- وعلى الرغم من عدم الفصاحة والاستطاعة- بتدوين وقائع الأحوال الميمونة، وبأن يجعل محاسن آثار الدولة الخالدة القرار تاج افتخار أخبار السلف. فجذب هذا العبد، وبمفاد أن المأمور معذور، حبل التدوين والإيضاح لمختصر من مآثر عهد الهمايون ووقائع أحوال وأوضاع الدولة المتزايدة يوما بعد يوم، دون مبالغة الكتبة والتصنع فى الكلام والتطويل الممل والإيجاز المخل، وأخرج على صفحة البيان، بمعاونة سنون الأقلام، وقائع أحوال وأوضاع الحضرة العلية السلطانية وكيفية غزوات وحروب ولى العهد حامى الخلافة، وقد سمى هذا الكتاب باسم" المآثر السلطانية".
مخ ۳۲
وفى افتتاح الحديث ربط نظم الكلام بشرح أحوال الطائفة القاجارية الجليلة، وسلسلة نظم الحديث مرتبطة بمعرفة حسب تلك الطائفة ونسبها التى شعارها الشهامة. فالطائفة الجليلة الكسروية النبيلة هى من أعزة وأجلة أتراك جلائر، وجلائر من نيرون، وسابا نويان من جلائر، وسرتاق بن سابا، وقاجار بن سرتاق نويان. وقد كان من بين طوائف الأتراك القاجارية ثلاث طوائف، واحدة من سلدوس، وواحدة من تنكفوت، وواحدة من جلائر. فتلك التى من سلدوس لم تأت إلى إيران، وتلك التى من تنكفوت طائفة تابعة بحد ثلاثين أو أربعين بيتا انضمت إلى سائر طوائف المغول وصارت من بينهم بلا اسم ولا رسم، وتلك التى من جلائر صارت صاحبة الدولة والشوكة، وكانت المنطقة الممتدة من شاطئ نهر" جيحون" وحتى حدود" الرى" تحت [ص 5] حكم وفرمان سرتاق، وكان معززا بأمر آباقا خان بتربية آرغون خان على النحو الذى سيرد ذكره قريبا، وقد وجد آرغون تربيته ورعايته. وكانت مملكة سرتاق المختصة به من" قزل أغاج مغان" وحتى حدود" نيسابور"، وكان يقيم فى جرجان، وقد كثر نسله فى جرجان ومازندران. وفى عهد غازان خان والسابق عليه كان (قاجار) من الألف الخاصة المقربة من" تومان تايجو"، وبعد ذلك سلم غازان خان لابن تايجو الحراسة (الشرطة)، وفوض إلى قاجار ب تومان تايجو، وأظهر له غاية العزة والاعتبار، وكانت ولاية أبيه فى يده.
وقديما لقب أولاد جلائر ب" كويانك" وهى بلغة الختائيين عبارة عن الحاكم الكبير أو الملك، وكانت لهم جناح ميسرة جيش طوفان القيامة وراء جنكيز خان، وقد عرفوا واشتهروا بفتح القلاع وتحطيم العدو وقهر الأسود ومصارعة الخصوم، وفى عهد جنكيز خان كان كبيرهم" موقلى كويانك"، وفى عهد" أوكتاى قاآن" كان" بوغول كويانك" على مكانة أبيه وكان يظهر آثار الشهامة. وفى عهد" قبلا قاآن" كان" هتون نويان" «1» أميرا كبيرا منهم [من آل جلائر] وقد صار أيلوكه بن بروك قدان من قوم جلائر مفتخرا ومعززا بفرمان جنكيز خان بمنصب (أتابيك) معلم" أوكتاى قا آن" ومربيه مع الجيش الذى لا نهاية له والذى كان تحت ظل رايته، وأتابيك بمعنى المعلم والمربى، وأعطى (أوكتاى قا آن) للأمير أرغون، الذى كان من الأمراء العظام، عبودية وخدمة أيلوكه الذى كان تابعا لأمره ونهيه ومنصتا أذنه على فرمانه، ولما كان الأمير أرغون رجلا فصيحا وعاقلا وشجاعا ارتفع أمره وتفوق على مراتب الأقران والأكفاء.
وفى عهد" منكو قا آن" كان" منكسار نويان" من جلائر كبير المحكمين (بزرك يارغوتشيان) وهى بمعنى أمير الديوان ومستجوب المذنبين، وكان يضع حكم الياصا فى قراره. وقد جاء إلى إيران أروق وبوقا من أبناء كلاى مع هولاكو خان وكانا ملازمين عبودية أباقا خان، وقد صارا أميرين عظيمين بتربية ذلك الملك عالى الجاه.
وكان لسرتاق نويان بن سابا نويان، الذى كان أمير الأمراء فى خراسان ومازندران فى عهد طفولة (ص 6) أرغون خان، ولد اسمه قاجار، الذى (جاء) منه نسل القاجاريين، وأصبح بداية تناسل وتكاثر هذه السلسلة الجليلة فى مازندران وإستراباد وخراسان من أولاد قاجار.
مخ ۳۳
وعندما وجدت الفرصة وأغير على أسرة جنكيز خان، أرسلت زوجة جنكيز خان التى كانت حاملا بجوجى، عند أونك خان، ولما كان لأونك خان الصداقة والمحبة مع يسوكاى بهادر والد جنكيز خان من قديم الأيام فكان يدعو الابن له، وكان ينظر لتلك السيدة بعين الرحمة بوصفها عروس ابنه، وكان لاحترامه لها موضع الاعتبار، وقد بذل الشفقة والعطف بشأنها. وقال له الأمراء إنه كان يجب أن تسترد السيدة، فأجاب بأنها عروسى «1»، ولا يليق النظر عليها بعين الخيانة، وقد رأى جنكيز خان منه مثل هذه الرجولة والإنسانية ورأى من أونك خان مراعاة الحقوق القديمة والكاتب الكبير.
وأرسل سابا نويان والد سرتاق وهو جد قاجار، الذى كان محرم أسرار وموضع نظر اعتبار الملك مسخر العالم القهار، إلى أونك خان لطلب السيدة، فنظر أونك خان إلى سابا نويان نظرة احترام وإجلال واعتبر مقدمه تكريما له وسلم إليه زوجة جنكيز خان وصار عازما على العبودية. ومن المصادفات أن أمسكت بالسيدة آلام الوضع فى الطريق، وأتى جوجى إلى الوجود، ولأن الطريق كان مليئا بالمخاوف ولا يوجد مجال للتوقف والتجهيز والترتيب للمضجع والألبسة، فعجنوا قدرا من الدقيق وأخذوا الطفل الواصل حديثا (الرضيع) إلى العجين وأحضروه إلى الحضن ونقلوه باحتياط كامل عند الأم حتى لا تتألم أعضائه ولا يتوجع، ولهذا السبب وضعوا له أسم" جوجى" وهو يعنى أنه أتى إلى الوجود فجأة.
ولما انقضت دولة جنكيز خان وشوكة المغول، حكم فى إيران لفترة الشيخ حسن نويان وابنه السلطان أويس من طائفة جلائر اللذين كانت لهما قرابة مع السلطان غازان والسلطان محمد خدابنده، ومآثرهم مذكورة ومدونة فى كتب التواريخ.
مخ ۳۴
والقصة أن الطائفة القاجارية كانت مشهورة بالشهامة والصرامة، وفى أيام سلطنة الشاه إسماعيل الصفوى «2» والشاه (ص 7) طهماسب كان أهل الطائفة مفتخرين بجلائل الأمور كقيادة الجيش وحكم الحدود، وكانوا مفتخرين ومعززين فى ساحة العالم بعلو الهمة والروعة، وعندما وصلت نوبة السلطنة إلى الشاه عباس الماضى الصفوى، شغله الفكر بسبب كثرة وعدة تلك الجماعة، ففرق جمعهم، ورحل جمعا منهم إلى مرو حجز به مواجهة الأوزبك وكلف جمعا آخر على كنجه وإيروان، وعين جمعا ثالثا فى إستراباد التى كانت موطنهم الأصلى فى مواجهة الأتراك لحماية ثغورها.
2 - بيان أحوال الجد الأعلى الخاقان فاتح البلاد فتح على خان
مخ ۳۵
أخذ الجد الأعلى الخاقان" سليمان المكانة" «1» جمعا من طائفة" يموت"، وذهب بهم إلى قلعة" مبارك آباد". ومن بوابة أصلمس بك قاجار برناك رئيس الحرس، الذى كان على معرفة تامة به، دخلوا القلعة، وهجموا على محمد خان التركمانى ووزيره ميرزا أحمد وأفنوا كليهما. وبعد هذه الحال، أخذ أمر ذلك المحظوظ فى الارتفاع، فحكم مدينة إستراباد دار إمارته، وفى ذلك الأوان كان شكر بك وأسمه الكردى جهان بيكلو، الذى كان قد استعلى فى فندرسك وراميان، كان تعديه وإجحافه يزيد عن الحدود والنهاية، وكان يرتكب قتل جمع من الأشراف فأسرع القادة القاجاريون إلى خدمة تلك الحضرة (فتح على خان) بسبب مشاهدتهم لهذه الأحوال، وطلبوا قبول ولاية وإمارة حضرته، فتجنب حضرته هذا الأمر، وفى النهاية أجلس فضل على بك شامبياتى ومحمد حسن خان قراموسالوا ومحمد تقى بك سركشيك مع سائر العظماء والرؤساء حضرته على مسند الإمارة، وصاروا فى ركاب النائب فتح على خان سالكين وادى النصرة والاقتدار من أجل إبعاد شكر الكردى، وأذاقوه سم الممات بضربة السيف الحاد بعد معارك وحروب كثيرة، وكانوا قد جعلوا فى فمه شربة الحياة اللذيذة الطعم أمر من الحنظل، وأطلقوا سراح حياته من سجنها. وبعد هذه الأحوال، أساء فضل على بك ومحمد تقى بك النية فى حق النائب فتح على خان، فلقيا جزاءهما ووصلا إلى زاوية العدم، وتوجه النائب فتح على خان- بعد طرد الخصوم وإستئصال (ص 8) الحاقدين- إلى تهئية شئون إستراباد وتوابعها وما حول ذلك الإقليم الذى هو كإرم العامرة «1».
3 - ذهاب فتح علي خان القائد إلى إصفهان من أجل صد الأفغان
ومعاونة الشاه سلطان حسين الصفوى:
مخ ۳۶
نظرا للإخلاص والمودة التى كان يكنهما [فتح على خان] للأسرة الصفوية، فقد أسرع مع ألف شخص من الشجعان القاجاريين والمصارعين الجلدين من أجل طرد أفغان قندهار الذين كانوا مشغولين بمحاصرة إصفهان، ووجد الشاه سلطان حسين الصفوى محاصرا بالأفغان، فكان يقود كل يوم المعارك البطولية والحملات الشجاعة، وكان يرسل إلى الشاه فى إصفهان الغنائم والبيارق الكثيرة، وقد أشار الأمراء الذين لا عقل لهم ولا رأى، على الشاه الطيب، بأنه يجب أن يعتبر هذا الأمر من التأييدات الإلهية، وبأن يبرزوا بإعجاب بطولاته فى حضرة الشاه، وأن يجعلوه قوى القلب، راسخ القدم بالإنعامات الوافرة والخلاع الفاخرة، وقد كان هو نفسه من داخله مستعدا لحرب الأفغان، فيقومو بطرد أعداء الدين والدولة. ومن سوء التدبير- مثلما عرضوا إلى الشاه- أن الطائفة القاجارية جمع شعارهم الجلادة وأنهم أسود غابة الحرب، وأن فتح على خان أيضا يضع أقدامه ادعاء للنشاط فى ميدان الشجاعة ويرفع راية الاستعلاء فى ميدان فوضى البلاد وعندئذ يصبح موضع الإعجاب والإحسان فى مقابل هذه الخدمات والبطولات، فيصعب ضبط عنانه. وقد نالت أقاويل هؤلاء الحمقى إعجاب الشاه سلطان حسين الصفوى، الذى كان يوم الدولة الأسود وسوء حظها وغلبت على طالعه آثار الذلة والنكبة، فلم يعتن بأمر القاجاريين ولم يعتمد عليهم. ورد النائب فتح على خان على أفعالهم وأقوالهم بعدم قبولها، وصار قلبه المؤمل مجروحا، ويئس مما آل إليه أمرهم. وسلك طريقه إلى دياره. واستولى الأفغان على إصفهان، ووصل إلى هناك ما وصل، وذهب الفوج الكبير إلى طهران بإشارة أشرف الأفغانى، وجعلوا ملك الرى بسبب الظلم وعدم الحساب مثل مدينة الرى. واستقبل النواب فتح على خان الأفغان فى" إبراهيم آباد" وفى" ورامين" بالجيش المقترن بالنصر، ووقع بينهما القتال والصراع من الظهر حتى المساء، وفى المساء أسرع الجيشان إلى ثكناتهما، وفى الليلة نفسها وصل إلى النواب فتح على خان الخبر [ص 9] بأن الشاه طهماسب- الذى كان قد أرسلوه إلى الخارج قبل خضوع إصفهان من أجل إيجاد وسيلة للأمر- ذهب إلى مازندران فى سنة ألف ومائة وسبع وثلاثين باحثا عن العز والشرف فى بلدة أشرف، فحرك النواب فتح على خان لواء الهجوم من إبراهيم آباد بسبب المودة التى كانت مع الأسرة الصفوية، وعرض عليه الدخول فى خدمته، فوقع اللوم والإعراض من أمراء الشاه طهماسب بسبب عودة النواب فتح على خان، وآذوا قلب الشاه طهماسب بالوشاية والوقيعة، ونقض فتح على خان عزمه بسبب سماعه لهذا الكلام، وسلك طريقه إلى إستراباد، وسعى الأمراء بالوساوس والشكوك الكثيرة عند الشاه طهماسب بأن يتجهز بصفوفه للقتال مع القائد فتح على خان فى مدينة أشرف بمازندران، ووقعت الحرب السلطانية، وسقط قتلى بلا حصر، وتفرق الأمراء- الذين لا عقل لهم ولا رأى- كل فى زاوية، ووقع الشاه طهماسب أسيرا فى يد القائد مقبوضا عليه، ولم يبتعد فتح على خان مرة أخرى عن إظهار المحبة والإخلاص وقام بتقديم مراسم التعظيم والتكريم له، وحمل الشاه عالى الجاه إلى إستراباد، واحتشد الجيش العظيم وتوجه إلى خراسان فى ركاب الشاه طهماسب، وأدخل الأرض المقدسة إلى دائرة الخضوع، وفى تلك الأوقات حضر نادر شاه (نادر قلى) «1» عند الشاه طهماسب، واعتبر أن النواب فتح على خان مخل لشأنه وأمره، فقعد لحضرته فى كمين الإزاحة والوقيعة، ومهد لذلك مع جمع من الأمراء المتقلبين فى الرأى. وفى الرابع عشر من شهر صفر سنة ألف ومائة وتسع وثلاثين أزاح (نادر قلى) فتح على خان من بينهم. وعلى النهج الذى كان عليه حاز ترقيات عظيمة فى أقل فترة، وأخرج الأفغان من إصفهان وشيراز، والروم (العثمانيين) من نهاوند وأذربيجان، والروس من جيلان، وقاد الجيش لإخضاع بلاد الهند. ودون تفكير عن هذا وذاك العذر قتل الشاه طهماسب وأرسله إلى فتح على خان فى وادى العدم.
4 - فى بيان كيفية أحوال الخاقان ساكن الجنة محمد حسن خان:
كان للنواب فتح على خان ولدان رفيعا الجواهر، أحدهما الخاقان ساكن الجنة محمد حسن خان [ص 10] والآخر محمد حسين خان الذى ودع الدنيا الفانية فى طفولته، وكان محمد حسن خان وهو خلفه الأعظم وفيروزة فلكه الذى تحت خاتمه- يتربى ويتنشأ بعض الأوقات فى إستراباد وبعض الفترات وسط طائفة التركمان.
مخ ۳۸
وفى يوم من أيام الشباب وبداية نضارة روضة الحياة تنازع وتصارع على سراب راكض مع محمد زمان بك ابن محمد حسين خان قراموسالو، فتوجه إلى أحشام التركمان مهموما منكوب القلب، وأعد جمعا من الترك والتركمان وذهب إلى إستراباد واستولى على المدينة، وفر محمد زمان بك الذى كان قد نصب نيابة عن أبيه فى المدينة، ووصل هو نفسه إلى بهبود خان. وفى تلك الأوقات كان بهبود خان قائدا وحاكما لمنطقة إستراباد ومازندران من قبل نادر شاه الأفشارى، وكان مستقرا فى ساحل" أتك" مع ستة أو سبعة آلاف شخص. فشحذ القائد سيف القتال وتوجه إلى إستراباد، وعلى ساحل نهر جرجان أعد ميدان القتال والحرب وهزم من نزاع لم تعقد نهايته وهرب. ووصل هذا الخبر إلى نادر شاه فى الموصل، فعين محمد حسين خان القاجارى، وذهب محمد حسين خان مع جيش بهبود خان وأهل إستراباد إلى المدينة وخربها وأقام قمم المنارات من رءوس أهلها، وقتل جمعا من الطائفة القاجارية. ولم يجد محمد حسن خان المجال للقاء والانتقام ورجع إلى الصحراء مرة أخرى، حتى اختل قصر وجود نادر شاه بسيف الأتراك الهتاك. ورجع حضرة محمد حسن خان من صحراء تركمانية إلى إستراباد، وجعلها مقر الدولة، وأخضع جيلان ومازندران تحت سيطرته، وجهز ما يقرب من عشرين ألف جندى.
والمشهور أن نادر شاه كان يقول لحسن على خان معير الممالك:" إنه كان قد قيل إن الياقوت كان قد رؤى أربعة عشر مثقالا والذى لم أره، وقيل: إن الياقوت أربعة عشر مثقالا محمد حسن خان، الذى فلت من أيدينا".
والخلاصة، أن يوم ظهور دولة وإقبال محمد حسن خان كان فى ازدياد، إلى أن توجه كريم خان الزندى إلى إستراباد مع أربعين [ص 11] ألفا من المشاة والفرسان جمعهم من الألوار والبختيارين. فكان محمد حسن خان يرسل الجيش إلى الخارج، وكان يحضر أفواجا تلو الأفواج من جيش الألوار مقبوضا عليهم. وفى خلال أربعين يوما صار خمسة عشر ألف شخص من تلك الجماعة تافهين ولا قيمة لهم فى يد صاحب التاج القاجارى، وكانوا يقدرون غيرهم بعشرة أو اثنى عشر ألف شخص مقيد وأسير، وقد قتل شجاع الدين خان الزندى بسيف الشجعان المظفرين، وترك كريم خان الزندى متاع الملك وأثاثه وعتاده الحربى والمدفعية والمدافع الصغيرة (الهاونات) ولوازم السلطنة، وحمل رحله عن شاطئ إستراباد، وحرك جواده السريع إلى جانب إصفهان، وصار المكسب الذى لا حدود له من نصيب كسرى ذى الجناب العالى. ووجه [محمد حسن خان] إرادة السفر إلى العراق وتحرك من إستراباد إلى أشرف بمازندارن، وفى تلك الأوقات التى كان كريم خان الزندى فيها فى إستراباد، كانت جماعة لاريجانى قد انضمت مع جيش الألوار معلنة الخدمة والإخلاص، وبعد عودة كريم خان لووا رأس الطاعة ودقوا طبول العصيان والتمرد، فأمر حضرة السلطان بتعيين محمد ولى ميرزا مع مقيم خان الساروبى حاكم مازندران- الذى كان عظمة فى العفة ورجولة فى الغيرة وعلو الهمة- لصد [جماعة] لاريجانى، وذهب الجيش إلى آمل بمازندران، وقبل أن تقع تلك الحرب مع جماعة لاريجانى، وضع محمد ولى خان بناء السلوك السيئ فى ولاية آمل بسبب سوء النفس وشرورها، وأطلق يده على شرف ونسوة وأطفال شعب آمل.
مخ ۳۹
ولم يحتمل أهل مازندران حركات محمد ولى خان، فقبضوا عليه وحبسوه، وتجمعوا وذهبوا عند مقيم خان وأمروه عليهم وقرعوا طبول العصيان بصوت عال، وأقاموا فى سارى وأعجبوا واغتروا بأنفسهم، فتحرك حضرة السلطان من" أشرف" بلا متاع ولا عتاد وهجم على مقيم خان وأهل مازندران، وخر مقيم خان من قدميه بسبب إصباته بمدفع الهارون وتم أسره. وتفرق أهل مازندران وفروا إلى الغابة، وأحرق مقيم خان فى النار بأمر السلطان، وأمر بمصادرة وأخذ أموال بعض معارف مازندران، ودفعوا عشرين ألف تومان بالضرب على يد المحصلين [ص 12] الأشداء ونجوا، وقتل بعضهم.
5 - مجى ء شاه بسند خان الأفغانى بغرض اخضاع إستراباد، وهزيمته
من حسين خان القاجارى والأبطال المظفرين، وإخضاع جيلان وقزوين، والقتال مع كريم خان الزندى وإخضاع إصفهان:
مخ ۴۰
لقد وجد أحمد شاه الإبدالى حاكم قندهار مقدرة لا تحصى، فقام بالسيطرة على خراسان، وبعد السيطرة على الأراضى المقدسة، أعطى لشاه بسند خان الأفغانى خمسة عشر ألفا من الأفغان وقدموا إلى سبزوار عازمين إستراباد، فرحل إبراهيم خان البغايرى وعيسى خان الكردى وعلى خان القليجى وعدد آخر من حكام خراسان بأهاليهم وعشائرهم وقدموا إلى الدامغان. فأصدر النواب السلطانى محمد حسن خان أمرا بالقيادة لمحمد حسين خان الدلويى القاجارى، الذى كان من أعظم الأمراء، ومعه حكام خراسان وأربعة عشر الفا من الأبطال لطرد شاه بسند خان. وبعد التقاء الفريقين، وقعت الهزيمة على الجيش الأفغانى، ولم يستطع شاه بسند خان ضبط عنان نفسه حتى عند أحمد شاه. وبعد هذا الفتح المبين تحرك النواب محمد حسن خان من مازندران بجيوش بحر الصخب واصطف للحرب مع كريم خان، وأسر محمد خان بى كله الزندى، الذى كان السيف قد قطع رجله بمقدار الكف فاشتهر ب بى كله «1»، وهو من شجعان العصر، ولم يكن أحد أشجع وأجرأ منه بعد كريم خان الزندى، ومعه سبعون شخصا من الأمراء الزنديين، وأرسلهم إلى مدينة" سارى" واستولى على إصفهان، وتصادف التقاؤه مع كريم خان الزندى فى" كلرن آباد"، وهزمه، وموقعة" كلرن آباد" شائعة ومنتشرة على لسان أهالى إصفهان حتى الآن.
6 - مقاتلة النواب محمد حسن خان مع آزاد خان الأفغانى وإنزال
الهزيمة به:
استولى آزاد خان الأفغانى على أذربيچان، وجعل مقره ومأواه فى" آرومية"، فتوجه السلطان محمد حسن خان للسيطرة على أذربيچان، وتوجه آزاد خان مع عشرين ألف شخص من الأفغان إلى ميدان القتال وأقدم على معركة الابتلاء والمحنة.
مخ ۴۱
ولأن مملكة الأفغان كانت فى أرومية، وكانوا يظهرون الجلادة والعناد فى قمة الشرف، فانسحب جيش السلطان من أمامهم، واغتاظ حضرة السلطان من مشاهدة هذا الحال [ص 13]، ودفع الجيش إلى الميدان، وضغط بقدم الجرأة والجلادة فى ميدان الشجاعة، وألحق بالأفغان الهزيمة الفاحشة. وفر آزاد خان ومعه عدد من المقربين تجاه" تفليس". وقام السلطان عظيم الشأن بجمع شتات الأفغان، فرحل ألف أسرة من الأفغان والأوزبك وأرسلهم إلى مازندران عن طريق جيلان، وأسرع هو مع حشد كثيف وجيش فى قوة الجبل من العراق إلى فارس، وحاصر كريم خان الزندى فى شيراز ، وفى تلك الحالة، رفع جمع من الأمراء القاجاريين رأس المخالفة وأظهروا أسلوب الخلاف والنفاق، فتفرق واضطرب معسكر بتلك العظمة، وأدار النواب محمد حسن خان عنانه من شيراز إلى مازندران. وفى سنة ألف ومائة واثنتين وسبعين ذاق طعم الشهادة على يد اثنين أو ثلاثة من الطائفة القاجارية، فأدخل وقوع هذه الواقعة السرور على كريم خان الزندى، وصار حدوث هذه الحادثة سببا لتفوقه وغلبته. [بيت ترجمته]
رفعوا التاج لقوم من مفرق الرأس ... وعقدوا لقوم الجواهر على الجبين
مخ ۴۲
وأصبح بلده [كريم خان] العراق [العجمى] آمنا، وساق جواد التطاول إلى مازندران وطبرستان، وشتت بلاد إستراباد التى كانت دار إمارة تلك الأسرة الجليلة، وفسخ حبل ذلك العقد من بعضه بيده الجسورة، ونثر لآلئ الجوهرة الفريدة فى بحر الملكية بيد العداوة والحقد. فاستقر بعض من ذلك اللؤلؤ الأرى فلك الخلافة فى دار السلطنة قزوين، وسمح للبعض الآخر بالإقامة فى دار العلم شيراز، واحتفظ هو لديه بحضرة بطل العالم أبى النصر محمد شاه وأبى الفتح والظفر حسين قلى خان، اللذين شبا كلاهما فى صدف واحد وكانا أولاد محمد حسن خان «1»، أحدهما فلك المنزلة وهو العم الأكبر للحضرة العلية [فتحعليشاه القاجارى] وثانيهما توءم الشهامة وهو الوالد. وكان [كريم خان] يستعين بهما فى جلائل أمور العالم، وكان يعثر على المعونة من رأيهما الرزين، وكانا جالسين فى سرير السلطنة وفى حرم مشورة الأنس. وقد توجه النواب حسين قلى خان إلى إستراباد بإذن كريم خان، ولمدة عامين كان جوادا إستعلائه سريع الحركة وخفيف العنان وسيف انتقامه راميا بالنيران، وجعل الذين خالفوا والده جميعهم طعمة للسيف الحاد، وأعلن العصيان مع كريم خان [ص 14] وأخذ ملك المدن [حسين قلى خان] محمد خان سوادكوهى بحملة واحدة من صاحب الروح. ولما كان حضرة الحق جلا وعلا [الله جل جلاله] قد أناط راحة بلاد العباد فى عالم الكون والفساد بوجود ملجأ العالم هذا، ورفع راية صاحب الدين والعدل والإنصاف هذا الملك كسرى صاحب العالم فى مضمار القضاء على يد حفظة الأرض والسماء الأطهار، ففى ليلة الخميس الثامن عشر من شهر شوال سنة ألف ومائة وخمس وثمانين هجرية زين وأنار الحضرة العلية [فتحعليشاه]، جمشيد الشوكة مدرك راية الإسكندر، ساحة الدنيا من شعاع وجود السعادة المزين، ووضعت مرضعة الدولة ثدى السعادة على فمه، وعقد مربى القدرة تميمة السلطنة والجوهرة الفريدة على ساعده المبارك، وتلا قراء أدعية عالم القداسة عبارة: وإن يكاد على جماله مع كماله من أجل صد عين الكمال والحسد. ونثر مدبرو أمر بلاط القضاء والقدر دراهم الشمس ودنانير القمر على قمة رأس الهمايون ودماغه الميمونة من أجل بعثرتها، وصار مسمى تلك الشجرة سرو حديقة الدولة وبرعم روضة السلطنة والخلافة بالاسم المبارك لجده الأمجد فتح على خان طاب ثراه. ولما مضت عدة سنوات على هذا، فقد انقضى زمن حياة النواب حسين قلى خان بسبب مؤامرة بعض الأشخاص من تركمان" يموت".
7 - بيان فتوحات ومراتب الخاقان المغفور له محمد شاه بعد موت
كريم خان الزندى على سبيل الإجمال من وضع سياق هذا الكتاب حتى استشهاد حضرته:
فى يوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر صفر سنة ألف ومائة وثلاث وتسعين هجرية جذب كريم خان الزندى سم الممات من يد ساقى الأجل ومات، فأطلق الخاقان المغفور له محمد شاه العم الحاكم ملجأ الدين العنان من الحصن الحصين شيراز إلى ناحية إقليم دار المرز «1» وإستراباد، ووضع السعيد الموفق قدما على سرير السعادة والنجاح، وأهلك الأعداء وعمر الولايات وأصلحها.
مخ ۴۳
والخلاصة من مآثره وهو خاتم مكارم الأخلاق وطريق السعادة واليقظة وإرادة البرق وهى من آثار شعار السلطنة، هى أن الخاقان المغفور له تحرك سريعا مع الأخوان رفيعى الشأن جعفر قلى خان ومهدى قلى خان وبعض [ص 15] الأقارب والمخلصين من شيراز إلى إصفهان فى مسافة ثلاثة أيام، ومن هناك أداروا العنان واندفعوا إلى مقربة من مازندارن، وفى طهران لحق بالركب أبدال خان كردجهان بيكلو ورؤساء سائر الأكراد مع عشيرتهم وجماعتهم الذين كانوا مقيمين فى منازل الرى وإصفهان، أما الإخوة الآخرون لحضرته فى إستراباد فجاءوا إلى مازندران مع جمع بسبب خبر وفاة كريم خان واستقروا فى بلدة" بارفروش". وفى البداية ابتهجوا لبشرى تحرر الخاقان المغفور له، وفى النهاية وقفوا بالنفاق والعناد بسبب فتنة بعض الحساد، ووضعوا العوائق فى طريق الأخ المحظوظ، وعينوا جمعا لمنع وصول الخاقان المغفور له إلى" سوادكوه"، وبهذا انفصل بين ركاب حضرته وبين أخيه الآخر رضا قلى خان الذى فر إلى مازندران وأظهر مسلك عدم الوفاء، فبعث الخاقان المغفور له ب جعفر قلى خان إلى مرتضى قلى خان وأعطاه رسالة" بأنه على الرغم من البعد لعدة سنين، فلو لم يكن لهم رغبة فى ملاقاتنا، فشوق الاضطرابات متعلق بنا، وحتى الآن لم يصدر ولم يظهر من جانبنا الأمر الباعث على هذا التجنب والملل والموجب لعدم الرغبة هذه والقيل والقال وأنه كان يجب أن نحذر من الخلاف والنفاق وأن نسلم إلى الوفاق والاتفاق".
مخ ۴۴
والخلاصة، أن هذه النصائح لم تفد مرتضى قلى خان وأصر على العناد وانتهى الأمر إلى النزاع بين الإخوة واشتعلت الحرب بينهم، وانفصل رضا قلى خان عن مرتضى قلى خان وذهب إلى بلدة بارفروش ووقعت الهزيمة على مرتضى قلى خان، وذهب الخاقان المغفور له إلى بلدة بارفروش، وأراد على مراد خان [الزندى] إخضاع مازندران، وبتحريض من جماعة لاريجانى الذين انضموا إليه، عين جيشا جرارا من الألوار والزنديين، فلاقوا الهزيمة الفاحشة من الخاقان المغفور له ورجعوا إلى طهران. وقصد الخاقان المغفور له إصفهان فوضع رضا قلى خان مرة أخرى لبنة الفساد بالأسلوب السرى، فكلف الخاقان المغفور له على أمره جعفر قلى خان، فلم يجد رضا قلى خان [ص 16] مأمنا ودخل مضطرا فى خدمة الأخ عالى الجوهر، وتعهد بألا يحوم حول الخلاف. وأمر الخاقان المغفور له بالعفو المقرون بالإغماض عن تقصيره، وتحرك لإخضاع إصفهان، وقدم إلى مقربة من طهران، وكلف جعفر قلى خان بفوج من الجيش على قزوين. وفى منزل" دولاب" كلف مهدى قلى خان أخاه الأصغر باستمالة جماعة لاريجانى. وفر رضا قلى خان بعد رحيله من المعسكر الهمايونى وانضم إلى جماعة لاريجانى فى" فيروزكوه" و" دماوند" ووضع لبنة إثارة الفتنة والفساد، فأدرك الخاقان المغفور له أهمية صد العدو الداخلى، وانعطف صوب مازندران. وفى أثناء توقف الخاقان المغفور له على مقربة من طهران تلاقى مرتضى قلى خان ورضا قلى خان مع بعضهما وسلكا طريقهما إلى جعفر قلى خان الذى كان راجعا من قزوين عازما خدمة الأخ، ومن هناك كلف على أمر رضا قلى خان وهزمه فى بلدة" كجور" وقبض عليه وأحضره إلى خدمة الخاقان المغفور له. وأرسل مرتضى قلى خان مصطفى قلى خان مع عدد من الغلمان إلى خدمة الخاقان، وأعلن الندم.
وتوجه الخاقان المغفور له إلى سارى، ومن هناك إلى بارفروش وتوقف بها، وكلف جعفر قلى خان ومصطفى قلى خان بإخضاع جيلان، وقرر لرضا قلى خان استمالة أهالى لاريجانى، فطغى ذلك الجهول مرة أخرى لتلون مزاجه وسواد فطرته، وأظهر علامات العصيان. وفى شهر ذى الحجة المحرم سنة ألف ومائة وخمس وتسعين هجرية قدم [رضا قلى خان] إلى بلدة بارفروش على حين غرة، وحاصر مبنى ديوان الحضرة العلية، ولتجاوزه عن الحد فى العصيان قبض على الخاقان المغفور له وأرسله خلف الأغلال. فتجمع على الفور بسبب سماع هذه الأخبار جعفر قلى خان ومرتضى قلى خان وعلى قلى خان وسائر الأمراء والحكام القاجاريين، واندفعوا إلى رضا قلى خان، وهزموه بعد دفعتين من القتال والجدال، [ص 17] وقتلوا أعوانه وأنصاره وأمراءه وجنده، واختار هو الفرار على القرار، وذهب إلى العراق [العجمى]، وانضم إلى على مراد خان الزندى، وبقى عنده لفترة، وأظهر معه عدم الوفاء، وانفصل عنه، وذهب عند صادق خان الزندى فى شيراز، وبعد فترة سلك معه أيضا طريق عدم الوفاء، وفر من شيراز إلى خراسان، وتوفى فى مشهد المقدسة.
مخ ۴۵
والقصة، أنه بعد هروب رضا قلى خان، جعل الخاقان المغفور له الإخوة كل على قدر مرتبته موضع عطفه ورعايته، ولكن مرتضى قلى خان لم يحضر العطاء الفياض بسبب فتنة هذا أو ذاك، فأرسل الخاقان المغفور له رسالة له" بأن المصلحة هكذا تقتضى بأن نتفق نحن الإخوة مع بعضنا، وأن نتواجه بالصدق والصفاء مع بعضنا فى الخفاء والعلانية أيضا، وأن نزيل غبار الأعداء المعفرين"، ولم يقبل ثانية معنى الاتفاق والاتحاد، وأعد مرتضى قلى خان خندقا (كمينا) على بعد نصف فرسخ من" علىباد"، وأطلق يده بقطع الطريق. فكلف رضا قلى خان القاجارى على رأسهم بأمر الخاقان، وأخذوا الكمين بحملة واحدة، وقام الخاقان المغفور له بمحاصرة مرتضى قلى خان فى قلعة سارى، وانضم جعفر قلى خان من" تنكابن" إلى خدمة الأخ المحظوظ. وبعد معارك كثيرة وحروب ونزاعات لا تحصى، دخل مرتضى قلى خان فى العجز، وخرج وقابل الأخ، فعفى الخاقان المغفور له عن جرائمه وأنعم عليه بإستراباد وتوابعها، وعطف على ملازمى ركابه.
وبعد تهدئة أمور لأريجان وسارى، قام بأمر ولاية سمنان، ومن هناك تحرك صوب الدامغان وبسطام، وسلك كبار تلك المناطق سبيل الانقياد والخضوع ودخل نادر خان عرب فى الخدمة، وصار موضع العطف والرعاية، ومنح جعفر قلى خان منطقة" بسطام" كإقطاعية، ومنطقة" سمنان" لعلى قلى خان كإقطاعية أيضا. وبادر خان محمد خان القاجارى بالخدمة، وبتعهده تشرف مرتضى قلى خان مع جمع من الأمراء القاجاريين بخدمة الأخ ذائع الصيت. وأصدر الخاقان المغفور له الأمر لمرتضى قلى خان [ص 18] بأن يتوجه صوب رشت وجيلان ويستولى عليهما، فذهب مرتضى قلى خان مع الجيش العظيم إلى جيلان، ودخل هدايت خان فى النزاع والقتال، وطلب الأمان بعد خمسة وأربعين يوما، وأرسل الهدية وقبل الخدمة.
واستدعى الخاقان المغفور له مرتضى قلى خان إلى الركاب، وتوجه من مازندران إلى ناحية إستراباد. وفى سنة ألف ومائة وسبع وتسعين [ه. ق] لم يحتمل هدايت خان حرارة المقاومة، وفر إلى شيروان.
مخ ۴۶
ونزل الخاقان المغفور له محل الإجلال، بعد وصول الأموال الديوانية من جيلان والانتهاء من أعمال قزوين وسلطانية وزنجان وكوران دشت، وتوجه من هناك إلى سلطانية، وفى فصل الخريف عطف بعنانه إلى مازندران، وفى ربيع العام التالى توجه إلى قلعة طهران وحاصرها وكان على مراد خان الزندى فى همدان، فعين مراد خان الزندى على مازندران، فعين الخاقان المغفور له جعفر قلى خان له حتى يهزمه، وتفرق جيشه واضطرب، ورحل على مراد خان فى أثناء هذه الأحوال من إصفهان إلى شيراز، واستولى على قلعة شيراز بعد تسعة أشهر من الحصار، ودمر صادق خان الزندى وأباده مع أولاده وأعوانه وأنصاره، وحرم أبو الفتح خان بن كريم خان من زينة الإبصار. وبعد الانتهاء من مهام تلك المناطق رجع إلى إصفهان، وازدهر أمره تماما، وأخذ فى التحرك مع الحشد والحشم الكامل بقصد إخضاع مازندران وإستراباد، واستراح فى طهران، وعين جيشا من كل ناحية، وكلف ابنه شيخ ويس مع جمع من الأمراء والجيش لإخضاع إستراباد، وخربت مازندران بسبب اعتداء جيش الزنديين والألوار، وتوقف شيخ ويس خان نفسه فى سارى، وعين محمد ظاهر خان الزندى مع فوج مهاجم على إستراباد. وفى أثناء ذلك، اختلف مرتضى قلى خان ومصطفى قلى خان مع الخاقان المغفور له، وانضموا إلى شيخ ويس خان، وذهبوا إلى إستراباد بالاتفاق مع محمد ظاهر خان، وحاصروا إستراباد لمدة شهر واحد، فعين الخاقان المغفور له فرقا من الأبطال [ص 19] الإستراباديين والقاجاريين لسد الطرق والشوارع، وأغلقوا طريق المرور والعبور والمؤن على شيخ ويس خان وجيشه اللامتناهى، فحدث وسط معسكرهم قحط وغلاء شديد، وتفرق معسكر بتلك العظمة وقبض على محمد ظاهر خان وقتل، ولم يحتمل ويس خان حرارة المقاومة وحيث كان متوقفا فى سارى مع الأمراء والجنود وفر وانضم إلى على مراد خان فى طهران، ورجع مرتضى قلى خان أيضا، وقصد جانب على مراد خان. وفى بلدة" قم" سمع بخبر وفاة على مراد خان [الزندى] فأسرع من هناك إلى رشت عن طريق قزوين، وتوقف فترة فى ذلك المكان، وذهب إلى" حاجى طرخان"، ولاذ بملكة روسيا كاترين (يكه ترينه)، وظل يعيش فى تلك الحدود حتى ودع الدنيا الفانية، وأحضروا نعشه إلى إيران.
مخ ۴۷
والحاصل، أنه بعد هزيمة شيخ ويس خان ومقتل محمد ظاهر خان، كان على مراد خان سيى ء الحال بسبب مرض الاستسقاء، فساء حاله أكثر لوقوع هذه الأحوال، فتوجه من طهران إلى مقربة من إصفهان، وبالقرب من إصفهان خلت جواهر روحه من قالب الجسد، وقدم جعفر خان الزندى أخوه من أمه- الذى كان ابن صادق خان الزندى، وكان مكلفا على حدود الكردستان وخمسة- من زنجان إلى إصفهان، ورفع راية الاستعلاء والاستبداد، واتكأ مكان أخيه على مسند العظمة.
وفى الرابع عشر من ربيع الأول سنة ألف ومائة وتسع وتسعين، تحرك الخاقان المغفور له من إستراباد صوب العراق، واستولى أولا على مدينة" قم"، وتوجه من هناك إلى كاشان ومنها إلى إصفهان، وأسرع رؤساء وحكام العراق [العجمى] بالتشرف فى الخدمة، ولم يحتمل جعفر خان الزندى حرارة المقاومة فى إصفهان، وذهب إلى شيراز، وتحرك الخاقان المغفور له إلى بدو صحراء بختيارى وفراهان وكزاز، وفرق كمينهم فى محل" كهيز"، وصار جمع كثير منهم طعمة لسيف المجاهدين.
وفى عام ألف ومأتين وواحد قاد الجيش إلى جيلان، وأخضعها تحت سيطرته، وجعل أحد الغلمان من هدايت خان هدفا لرصاصة بندقيته فى أثناء فراره من أنزلى إلى باكويه، وأحضر رأسه إلى خدمة الخاقان المغفور له. [ص 20] وفى سنة ألف ومأتين واثنتين، فقأ الخاقان المغفور له عين على خان حاكم" خمسة" فى إصفهان بسبب خيانته، وكلف الجيش بنهب طائفة بختيارى، وذهب جعفر خان الزندى من شيراز إلى يزد، فلاقى الهزيمة الفاحشة من مير محمد خان الطبسى، ورجع إلى شيراز، واغتر مير محمد خان، وقدم إلى إصفهان، فكلف الخاقان المغفور له جعفر قلى خان بتأديبه، وفى ناحية رودشت بإصفهان حمى وطيس معركة القتال والنزاع فيما بينهما، وبعد أداء المعارك العظيمة، هزم مير محمد خان، وفر إلى طبس، وقصد الخاقان المغفور له فارس، وذهب حتى" مشهد مادر سليمان"، ومن هناك رجع إلى إصفهان، ومنها عاد إلى طهران.
مخ ۴۸