وعلى ذكر الكنايات عن ذلك المكان فقد اعترضت حكاية كتبها إلى ابو سعد دوست باسناد له عن الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الوليد الزبيري قال قدم رجل من بني هاشم المدينة ومعه جاريتان مغنيتان وبلغه ان بها رجلا مضحكا فبعث اليه وأحضره وسقاه نبيذا قد القى اليه سكر العش وهو يسهل البطن وتناوم الهاشمي وغمز الجاريتين فلما شرب المضحك ثلاثا حركته بطنه فقال ما أحسبهما الا مكيتين فقال جعلت فدا كما اين بيت المذهب فقالت احداهما لصاحبتها ما الذي يقول قالت يقول غن لي
ذهبت من الهجران في غير مذهب
ولم يك حقا طول هذا التجنب
فصبر على مكروه عظيم ثم قال ما احسبهما الا بصريتين فقال جعلت فداكما اين بيت الخلا فقالت أحدهما للاخرى ماذا يقول قالت يقول غني
اضحت خلاء واضحي اهلها احتملوا
اخنى عليها الذي اخني على لبد
قال فصبر على امر عظيم واظلم ما بين عينيه فقال ما احسبهما الا كوفيتين فقال فديتكما الا تسمعان اين بيت الحش فقالت احداهما للاخرى ماذا يقول قالت يقول غنى
اوحش الحنبذان فالدير منها
فقراها فالمنزل المحصور
فقال المضحك ما فهمتا عني وصبر على أشد ما يكون وانفتح بطنه وضاقت حيلته فقال هما البتة مد نيتان فقال فديتكما أين بيت الكنيف فقالت احداهما للاخرى ماذا يقول قالت يقول غني لي
تكنفني الهوي طفلا
فشيبني وما اكتهلا
فقال يا زانيتان أنا اخبركما ما هو فقام رافع ثوبه وسلح عليهما وملأ المجلس فانتبه الهاشمي وقال ويحك ما صنعت قال اقعدت معي هاتين الزانيتين ما يحسبان الكنيف الا الصراط المستقيم فهما ينفسان على بان يدلان عليه قال أفتفسد على ثيابي فقال والله ما افسدت على من بطني أشد مما أفسدت من مجلسك " وأنا " اختم هذا الفصل بخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكناية عن الاحداث في الشوارع وطرق المارة وهو قوله عليه الصلاة والسلام اتقو الملاعن وأعدوا السبل
الباب الرابع الكناية عن المقابح والعاهات والمثالب
" الفصل الأول في القبح والسواد "
إذا كان الرجل قبيح الخلقة مشوه الصورة قيل في الكناية عنه له قرابات باليمن لان القرود تكثر بها " ومن مليح " الكناية عن القبح قول أبي نواس
وقائلة لها في وجد نصح
علام هجرت هذا المسهاما
فكان جوابها في حسن مس
أأجمع بين هذا والحراما
وهذا كقولهم حشفا وسوء كيله.. فاذا كان شديد الادمة مع الدمامة قيل كأن وجهه قمر الثلاثين..ويستحسن لنصيب قوله في الكناية عن سواد بناته في كلام خاطب به عمر بن عبد العزيز ياأمير المؤمنين قد بليت ببنات لي أنفقت عليهن من ضيفي فكسدن فرق له ووصله وفي نصيب قيل
أخ لي من بني حام بن نوح
كان جبينه حجر المقام
" ويحكى " في قصة طويلة لسكينة بنت الحسين بن علي رضي الله عنهم انما أمرت باخراج الفرزدق عن دارها وقالت والله انه لا يدخل علي حتى يشيب الغراب فتلطف الفرزدق واحتال وقال لنصيب هل لك أن تدخلني عليها وتأخذ صلتها قال نعم فأستأذن الحاجب لنصيب فاذنت له ودخل الفرزدق على أثره فلما رأته سكينة قالت ياخبيث قد خنتني فقال ياسيدتي قد قلت حتى يشيب الغراب وهذا والله الغراب قد شاب أراد سواد وجهه وبياض شعره فقال نصيب قد علمت انه لا يريد بي خيرا ثم كفرت عن يمينها وأجزلت صلتهما ولم يكن أحد عن الممدوح الاسود بأحسن وأبدع من كناية المتنبي عن سواد كافور الاخشيد بقوله
فجاءت بنا انسان عين زمانه
وخلت بياضا خلفها واماقيا
فانه جمع الي حسن الكناية حسن التنبيه وجودة التفضل وابدع ما شاء
" فصل في الثقل والبرد "
حدثني أبو جعفر محمد بن موسي الموسوي قال دخلت يوما إلى الشيخ أبي نصر بن أربد ببخاري وعنده علوي مبرم تأذى بطول جلوسه وكثرة كلامه فلما نهض قال لي أبو نصر ابن عمك هذا خفيف على القلب فقلت له نعم مساعدا له على رأيه فتبسم ضاحكا من قولي وقال لي أراك لم تفطن للغرض فما ذلت أفكر حتى وقع لي انه أراد خفيفا مقلوبا وهو الثقيل وهذا المعنى أراد سعد دوست بقوله
وأثقل من قد زراني وكأنما
تقلب في أجفان عيني وفي قلبي
مخ ۷۱