90

کفاح طیبه

كفاح طيبة

ژانرونه

فقال حور: يوجد رجل فاضل عظيم الدراية والخبرة معروف بالحكمة وأصالة الرأي هو توتي آمون وكيل معبد آمون، فإذا شاء مولاي فليعهد إليه بشئون طيبة.

فقال أحمس: قد وليناه طيبة.

ثم دعا الملك رجاله إلى تناول الفطور على مائدته.

17

ومضت ساعات النهار والجيش يضمد جراحه ويأخذ قسطه من الراحة واللهو والغناء والشراب، واستبق الجنود الطيبيون إلى منازل أهلهم فتعانقت القلوب وامتزجت النفوس، وصارت طيبة من المودة والعطف كأنها قلب الدنيا الخافق، أما أحمس فلم يبرح سفينته، ودعا الضابط المكلف بحراسة الأميرة وسأله عنها؟ فقال له الرجل: إنها باتت ليلتها دون أن تذوق طعاما، وكان يفكر في وضعها في سفينة أخرى ويعهد بها إلى حراس أمناء، ولكنه لم ينته من تفكيره إلى عزم قاطع، ولم يشك في أن حور غير راض عن وجودها في سفينته، وأيقن أن الحاجب يكبر عليه أن تنال ابنة أبوفيس هذه الحظوة لديه، وكان يعرفه حق المعرفة، ويعلم أنه لا يشغل قلبه سوى كفاح طيبة، أما هو فكانت عواطفه متعطشة فائرة، وكان يعيا عن كف نفسه عن الحوم حول المخدع وصاحبته، أو في صرفها عن الولوع بها على ما به من سخط وغضب، فإن الغضب لا يقتل الحب ولكنه يحجبه حينا من الزمن كما يكدر الضباب وجه المرآة المصقولة إلى حين، ثم ينقشع عنها فيعود إليها الصفاء، ولذلك لم يسلم لليأس، وجعل يقول لنفسه متعزيا: لعل ما بها من آثار الكبرياء المغلوب على أمره والصلف الواقع في الأسر، ولعل غضبها أن يسكت فتجد أن ما تظهر من البغض دون ما تبطن من الحب فتلين وتذعن وتؤدي للحب حقه كما أدت للغضب حقوقه، أليست هي صاحبة المقصورة التي أنقذت حياته ومنحته العطف والود؟ .. أليست هي التي أقلقها غيابه فكتبت إليه رسالة عذل تضمر أنين الحب المكتوم؟ .. فكيف تذوي عواطفها هذه من أجل ثورة كبرياء وغضب؟ .. وانتظر الأصيل ثم هز كتفيه العريضين استهانة وذهب إلى المخدع، وحياه الحرس وأوسعوا له فدخل كبير الرجاء، ورآها تجلس في جمود وهدوء تلوح في عينيها الزرقاوين الكآبة والملل! فآلمته كآبتها وقال لنفسه: كانت طيبة على رحابتها تضيق بها، فكيف وقد حبست في هذا المخدع الصغير ؟ .. ووقف أمامها جامدا فاستوت في جلستها ورفعت إليه عينين باردتين، فقال لها برقة: كيف كانت ليلتك؟

فلم تجب وخفضت رأسها تنظر إلى الأرض، فألقى على رأسها ومنكبها وصدرها نظرة مشوقة، وأعاد سؤاله قائلا وقد ظن أن أمله قريب: كيف كانت ليلتك؟

وبدا عليها كأنها لا تريد أن تخرج عن الصمت، ولكنها رفعت رأسها بحدة وقالت: كانت أسوأ ليالي!

فأغضى عن لهجتها وسألها: لماذا؟ .. هل يعوزك شيء؟

فقالت دون أن تغير لهجتها: يعوزني كل شيء. - كيف؟ .. لقد أمرت الضابط المكلف بحراستك ...

فقاطعته بتبرم قائلة: لا تتعب نفسك في ذكر هذا .. فإنه يعوزني كل شيء أحبه، يعوزني أبي وقومي وحريتي، ولكن لدي كل ما أكرهه .. هذا الثياب وهذا الطعام وهذا المخدع وهؤلاء الحراس!

ناپیژندل شوی مخ