236

وطال الحوار بيني وبينها عن معنى الموديرنيتي أو «الحداثة» باللغة العربية، سألتها ماذا تعني بالحداثة؟ وهل أثر هذه الحداثة على «اليهودية» ما يحدث في إسرائيل من ذبح للفلسطينيين الأطفال مثل خروف العيد؟ وهل أثر هذه الحداثة على «المسيحية» ما يحدث اليوم في أفغانستان من قتل المدنيين نساء ورجالا؟ - فقالت الأستاذة الأمريكية: «هناك فرق بين «اليهودية» ودولة إسرائيل، وهناك فرق بين «المسيحية» وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية.» - وقلت: «وبالمثل أيضا يا سيدتي، هناك فرق بين الإسلام وبين الدول الإسلامية أو العربية.»

إلا أن هذه الأستاذة المتخصصة في الدين الإسلامي، والتي يدعونها إلى بلادنا العربية لتكون ضيفة الشرف في الاحتفالات والمهرجانات النقابية والأعياد بما فيها اليوم العالمي للمرأة، (وهي متخصصة أيضا في موضوع المرأة والإسلام) هذه الأستاذة لم تدرس الإسلام دراسة صحيحة؛ لأن دراسة الدين الإسلامي في الولايات المتحدة (وفي جامعات أوروبا أيضا) تقوم على دراسة القرآن والأحاديث وغيرهما مما يتعلق بالإسلام والتاريخ الإسلامي فحسب، ويتخرج الأساتذة (نساء ورجالا) ويصبحون خبراء في الدين الإسلامي دون أي دراسة مقارنة بين الأديان السماوية الثلاثة، لكن الدراسة المقارنة للأديان هي الوسيلة الوحيدة لفهم هذه الأديان، خاصة الأديان السماوية الثلاثة، والتي يتزعمها شخص واحد هو «النبي إبراهيم»، وتتشابه مبادئها تشابها كبيرا. (1) سيل المقالات والكتب عن الإسلام والمسلمين

منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك (والبنتاجون في واشنطن)، وهناك سيل من المقالات والكتب المنشورة في الولايات المتحدة حول الإسلام وعلاقته بالغرب، هناك مقالات وكتب تصور الإسلام (دون غيره من الأديان السماوية وغير السماوية) كأنما هو دين «متعطش للدماء» يحرض على قتل المخالفين له باعتبارهم «الكفار»، ويحرض على «الإرهاب» تحت اسم «الجهاد في سبيل الله»، ويقهر «النساء» ويفرض عليهن الحجاب والختان، وتعدد الزوجات وضرب الأزواج، ... إلخ إلخ.

إلا أن الدراسة المقارنة للأديان تؤكد الجهل الذي يغرق فيه المتخصصون في الدين الإسلامي، ذلك أن الديانة اليهودية مثلا حسب الآيات في كتاب «التوراة» تحرض «شعب الله المختار» على قتل أهل كنعان (فلسطين) الكفار، والاستيلاء على أرضهم تحت اسم «الأرض الموعودة من الله إلى آل إبراهيم» مقابل قطع الغرلة أو ختان الذكور، كما أن فكرة «حجاب المرأة» نشأت من آية في التلمود تؤكد أن «شعر المرأة العاري مثل جسدها العاري»، وأن «حواء» هي سبب «الإثم» وخروج آدم من الجنة، وقد عاقبها الله «بالأسى والألم» (في ولادة الأطفال) «والخضوع» لزوجها.

رغم ذلك فإن الكتب والمقالات تنهمر كالسيل (منذ أحداث سبتمبر) تصور الإسلام والمسلمين كأنهم قوم من القتلة والجهلة المتخلفين، وأن علاجهم الوحيد هو «التحضر» أو الموردرنيتي، باللغة العربية «الحداثة».

حاولت الرد على بعض المقالات التي نشرت في النيويورك تايمز، والتي لا تزال تنشر حتى اليوم، إلا أنهم لا ينشرون مقالاتي رغم تشدقهم بالديمقراطية والليبرالية.

إن الديمقراطية الأمريكية هي الديمقراطية «الوحيدة» في العالم - كما يقولون هنا - وكذلك الديمقراطية الإسرائيلية، يقولون إنها الديمقراطية «الوحيدة» في الشرق الأوسط.

ويضحك الطلاب والطالبات في «اللجنة ضد الحرب» التي تم تشكيلها في الجامعة التي أحاضر فيها في ولاية نيوجيرسي، ويقولون: «أجل أيها السادة، هذه الديمقراطية الأمريكية والإسرائيلية تشبه ديمقراطية الحكومة العنصرية «الأبارثايد» في جنوب أفريقيا، التي صورت نفسها للعالم سنين طويلة على أنها الديمقراطية «الوحيدة» في قارة أفريقيا.»

ولا شيء يواسيني عن البعد الأهل والوطن إلا هؤلاء الطلبة والطالبات، أشعر بالبهجة حين أدخل الفصل وأرى وجوههم الباسمة، وعقولهم المتفتحة للإبداع، قلت لهم في أول حصة: «أنا أكره التدريس، كما أن الإبداع لا يمكن تدريسه، وكل ما سأفعله هنا في الفصل هو: أن أساعدكم على نسيان ما لقنه لكم المدرسون منذ طفولتكم.»

وفي احتفال الجامعة بقدومي من مصر في أول سبتمبر 2001، وكانت الإدارة كلها حاضرة، «صاحبة السلطة» رددت هذه العبارة السابقة، التي أدت إلى «عدم تجديد العقد» لي مرة أخرى ، إنهم يدفعون لي راتبا كبيرا كي ألقن الطلاب الأمريكيين دروسا تمكنهم من الإبداع، لكني لا أؤمن بالتلقين، وقد مارست الإبداع في حياتي دون تلقين أحد، اللهم إلا جدتي الفلاحة، في قرية كفر طحلة، التي كنت أراها (وأنا في الخامسة من العمر) واقفة أمام العمدة حافية القدمين، شامخة الرأس، مكشوفة الوجه، تشوح بيديها الكبيرتين المشققتين المحروقتين بالشمس في وجهه وهي تقول: إحنا مش عبيد يا عمدة، وربنا هو العدل عرفوه بالعقل! (2) غياب الذكاء الفطري

ناپیژندل شوی مخ