يعني أعمل عيد ميلاد كل شهر ولا إيه ؟!
أما أمي السيدة «زينب هانم شكري» حفيدة «طلعت باشا» في إسطنبول فكانت ترى أن أبي أفضل من أبيها، وأنها لم تتزوج أبي إلا لتهرب من بيت أبيها شكري بك!
رغم كل ذلك كانت طفولتي سعيدة مليئة بالحب والدفء، أكثر سعادة من طفولة زميلاتي الأمريكيات هنا في نيويورك ونيوجيرسي، واحدة منهن تقول لي في عيد الحب (يسمونه هنا «عيد فالنتين»)، وهي أستاذة في جامعة متخصصة في الدين الإسلامي: «نشأت منذ الطفولة يا نوال في أسرة كاثوليكية، وكان أبي قسيسا تمرد على الكنيسة واعتنق الإسلام، إلا أنه كان محافظا متزمتا لا يعترف بشيء اسمه «الحب».»
وكان أبي نقيضا لأبيها يؤمن بالحب، ربما كان يعوض بالحب والحنان ما يفتقده الفقراء من ماديات الحياة، وقد أغرق أبي في الحب أمي، حتى أصبحت تلد طفلا كل عام، ثم ماتت وهي في ريعان الشباب، ممسكة يدي في يدها، وعيناها تملؤهما دهشة طفولية. - كل سنة وأنت طيبة يا ماما.
إنه صوت ابنتي المغردة في الصباح الباكر، وقد أدبر عيد الحب منذ أسبوع، وجاء عيد آخر هو «عيد الأضحى» (يوم 22 فبراير 2002)، ضحكت مع ابنتي وسألتها: ذبحتم خروف يا منى؟
لم يكن العيد في طفولتي عيدا دون ذبح الخروف، الذي كان يرمقني وهو يذبح بعينين متسعتين تملؤهما دهشة طفولية، وأتصوره طفلا مثلي يذبحه أبي في العيد، وسوف يأتي الدور علي حتما ليذبحني أبي طاعة لأمر الله، كما فعل سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل، كنت في الثامنة من عمري لا أواظب على الصلاة، وفي أيام القيظ في رمضان أختلس من وراء أبي رشفة ماء من قلة الفخار الباردة اللذيذة، إنه إبليس يوسوس لي: «رشفة ماء يا نوال لن يلتفت إليها ربنا الله الرحيم الغفور لجميع الذنوب (إلا أن يشرك به).»
لكن أبي كان يؤكد لي أن الله يلتفت إلى كل صغيرة وكبيرة في هذا الكون، ولا شيء يفوته، وإن كان رشفة ماء أو كلمة واحدة يهمس بها إبليس إلي، وهكذا تحمل ضميري منذ الطفولة عبء ذنوب كثيرة، وتصورت أنه سوف يأتي عيد الأضحى في العام المقبل (أو الذي بعده)، ويأمره الله أبي بذبحي بدلا من خروف العيد.
وغضبت من زميلتي الأستاذة الأمريكية المتخصصة في الدين الإسلامي، والتي كتبت مقالا تقول فيه إن مشكلة العالم الإسلامي هو أن الإسلام لم يتحضر أو لم يتطور بالقدر الكافي (كما حدث لليهودية والمسيحية)، وسألتها: وماذا تعنين بهذا التحضر يا سيدتي؟! - قالت: «أعني الموديرنيتي» أو
modernity
باللغة الإنجليزية.
ناپیژندل شوی مخ