237

لم تكن جدتي الفلاحة قد ذهبت إلى المدرسة وتعلمت القراءة والكتابة، لم تقرأ جدتي القرآن أو أحاديث الرسول، لكنها أدركت بالذكاء الفطري أن الله هو العدل، وأن العقل هو منبع الإيمان بهذه الفلسفة الرفيعة المستوى، والتي لا يفطن إليها أغلب الأساتذة من حاملي الدكتوراه، والذين يفقدون الإبداع أو الذكاء الفطري عن طريق التلقين في المدارس في الغرب والشرق.

ويدور حوار من خلال شاشة الإنترنت في جامعتنا حول أمور السياسة والفكر والإبداع وغيرها، أصبحت الشاشة الصغيرة في مكتبي أو بيتي تنقل إلي من كل أنحاء العالم مختلف الآراء والأفكار، أدوس على «الزر» كل يوم، وتضيء الشاشة أمامي، وأتابع كل ما يحدث في العالم، وكل ما يصدر من كتب جديدة، ومناقشات حولها، وأتابع كل ما يحدث في العالم، وكل ما يصدر من كتب جديدة، ومناقشات حولها، أحدث هذه الكتب من تأليف أستاذ أمريكي (برنار لويس) وهو متخصص في الدراسات الإسلامية، الكتاب عنوانه: «ما هو الخطأ في علاقة الإسلام بالغرب؟» يغلف المؤلف أفكاره المبتورة غير الموضوعية بكلمات عامة رنانة عن عشقه للشرق والإسلام، والحضارة الإسلامية التي ازدهرت في القرون الوسطى حين غرقت أوروبا في الجهل والتعصب ومحاكم التفتيش والحروب الصليبية ... إلخ إلخ، ثم يتساءل المؤلف: ما الذي حدث لينقلب الوضع وتتفوق المسيحية والحضارة الغربية على الإسلام والمسلمين؟! لماذا حدثت جميع الاكتشافات العلمية في الغرب المسيحي وليس في الشرق الإسلامي؟!

إنها أسئلة واردة للعقل يمكن الرد عليها بالذكاء الفطري، فالمشكلة ليست دينية أو الاختلافات في الأديان أو الثقافة أو اللغة، بل هي مشكلة سياسية واقتصادية أساسا، ذلك أن الاستعمار القديم والجديد قد تعاون مع حكومتنا المحلية من أجل إضعاف قدرتنا الإبداعية في العلوم والفنون، أصبح التعليم في بلادنا أحد الأجهزة البوليسية لقمع الخلق والإبداع وتدمير الذكاء الفطري منذ الطفولة، يكفي أن كل مفكر مبدع في بلادنا قد عرف زنزانة السجن مرة واحدة على الأقل في حياته، ينطبق ذلك على النساء والرجال، إنه المجال الوحيد الذي تتساوى فيه المرأة بالرجل، ويكفي أن متوسطي الذكاء هم الذين يصعدون إلى مقاعد الحكم، وهم الذين يحصلون على الجوائز التقديرية، والحوافز والمناصب وكل شيء، حتى الأضواء الإعلامية.

لكن السيد برنارد لويس (مثل غيره من فلاسفة ما بعد الحداثة) يتجاهل وجود شيء اسمه استعمار أو احتلال أجنبي، ويفصل بينه وبين الحكومات المحلية، كأنما هي فقط وحدها مسئولة عن المشكلة، أو الشعوب ذاتها هي المسئولة، وهو يضع كل المسلمين في العالم في سلة واحدة ثم يصدر أحكامه المبتورة، واتهاماته للمسلمين، بأنهم تخلفوا عن موكب الحضارة لأن العيب فيهم هم وليس في القوى الخارجية، ويقول في كتابه: «لقد انتهى الاستعمار منذ نصف قرن، وأصبح العالم الإسلامي يعيش في عصر ما بعد الاستعمار

لكن المسلمين لا يزالون يعلقون المشكلة على شماعة الاستعمار ويتساءلون على الدوام (من فعل بنا هذا؟) كأنهم ضحايا طول الوقت للقوى الخارجية، والمفروض أن يسألوا أنفسهم ما الخطأ فينا نحن، وماذا نفعل لنغير أنفسنا، أما أن يحملوا الخطأ على غيرهم فهذا هو الخطأ.

وهناك بعض الحقائق التاريخية في كتاب برنارد لويس، كما أنني أتفق معه في أن النقد الذاتي ضروري، لكني أختلف في فكرته أننا نعيش «عصر ما بعد الاستعمار» هذه خديعة فكرية كبيرة؛ لأننا نعيش عصر «الاستعمار الجديد»،

Neo-Colonial

وليس ما يسمونه

.

في الجامعات الأمريكية يسود هذا التعبير الخاطئ عن «عصر ما بعد الكولونالية»، وتنقله الجامعات العربية والأفريقية عن الجامعات الأمريكية دون تحليل أو نقد علمي.

ناپیژندل شوی مخ