ولما كان النبي المبلغ للتكليف، لا يجب بقاءه ببقاء المكلفين، وجب في الحكمة نصب قائم بعده، حافظ لاصول ذلك التكليف، قادر على معرفة استخراج جميع تفاريعه ودقائقه، مستجمع لجميع خصال ذلك النبي، ليتم به الغرض المقصود من تحصيل كمال الخالق، وذلك هو الإمام كما هو مقرر في موضعه (1).
ولما كان النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام، ليس في وسعهما القدرة على توصيل تلك الأوامر والنواهي إلى أفراد نوع الإنسان، لكثرتهم وانتشارهم في البلاد المتباعدة عن بلد النبي والإمام، احتيج إلى الاستعانة لهم على ذلك بنصب النواب في البلدان، لتعليم الأحكام والقيام عليهم بها.
فلا بد من وجود نواب لهم كمالية مأخوذة عن النبي (صلى الله عليه وآله) والإمام، وقوة الاستعداد على إفادة الغير، بطهارة أنفسهم المتكاملة بكمالهم الممكن لهم، وتلك النواب ليس في وسعهم الرجوع- في الأحكام الجزئية والحوادث المتجددة في الأزمان المتعددة- إلى النبي أو الإمام، لبعد المسافة، واحتياج المكلفين في ذلك الوقت إلى تعريف أحكامها، فلا بد أن يكون لهم قدرة على استنباط أحكام تلك المتجددات، والحوادث اليومية، من الاصول المحفوظة لهم عن النبي والإمام، وذلك هو الاستدلال والاجتهاد الذي لا بد منه في جميع أزمان التكليف، فكان وجودهم من ضروريات الدين.
ولما اقتضت العناية الأزلية وجود نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وبقاء شريعته ببقاء التكليف، وقام بعده خلفاء حفظوا عنه ما اوحي إليه، مما يحتاج الخلق في كمالهم إلى معرفته.
ثم اندراج اولئك الخلفاء على ما اقتضته العناية الإلهية، من المصالح
(1) تجريد الاعتقاد ص 221. وراجع الهامش أيضا للوقوف على الدليل، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 366. التحفة الكلامية للمؤلف: ص 19 (مخطوط)، زاد المسافرين في اصول الدين: ص 51. طبع مؤسسة ام القرى لإحياء التراث- بيروت.
مخ ۵۵