أنطق العقول بشهاداته وأنه لو كان وجود ذاته أو شئ من صفاته بغير ذاته كان ذلك طعنا في دلالتها على كماله ومقتضيا لزواله فلما دلنا بذلك وأمثاله على أن وجوده بذاته اقتضى ذلك أنه لا أول له ولا آخر له واقتضى علمه بذاته أن لا يبقى معلوم إلا أحاط بكلياته وجزئياته واقتضى كونه قادرا لذاته أن لا يبقى مقدور إلا قدر عليه واقتضى غناه بذاته أنه يستحيل الفقر عليه لان تقدير فقره في شئ يحتاج إليه يضاد فطرة العقول فيما حكمت به وهجمت عليه في كماله لان الفقير مضطر إلى ناظر في فقره وجابر لكسره وإلى مؤثر آخر قام بأمره وكذلك كونه حكيما لان ترتيب الدنيا وما فيها من العجائب الظاهرة وتعلق بعضها ببعض في فوائدها الباطنة والظاهرة دالة دلالة باهرة قاهرة على أن فاطرها ذو حكمة باهرة وكذلك ما نطق به القرآن الشريف من أنه مريد وكاره وسميع وبصير وأنه يغضب ويرضى ويسخط وكل صفة ورد بها كتاب الله من كتبه الشريفة أو صح نقلها عن الأنبياء والأوصياء والأولياء العارفين بصفاته المقدسة المنيفة فإنها لا تشبه صفاتنا ولا صفات المحدثات ولو كانت مدركة أو متخيرة أو مشبهة للمتخيرات في حقيقة أو صفة أو جهة من الجهات افتقرت إلى قادر منزه عن تلك النقيصات بل ذاته جل جلاله ليس لها كيفية فتدرك ولا طريق للعقول إليها فتسلك وقد عجز كثير من العقلاء عن فهم حقيقة العقل والروح والنفس وهي أثر من آثاره فمن عجز عن الأثر المصاحب له المختص به في ليله ونهاره كيف يطمع في إدراك ما لم يحصل له المؤثر جل جلاله
مخ ۲۶