بسم الله الرحمن الرحيم يقول عبد الله ومملوكه، السيد الجليل الامام النبيل العالم العامل الفقيه الكامل العلامة الفاضل الزاهد المتورع المجاهد أوحد دهره وفريد عصره رضي الدين ركن الاسلام والمسلمين افتخار آل طه ويس جمال العارفين أفضل السادة سيد الشرفاء أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس العلوي الفاطمي الداودي السليماني بلغه الله في الدارين مناه وكبت أعداه بمحمد وآله، أحمد الله جل جلاله ببيان المقال ولسان الحال حمدا دائم الاتصال والكمال، وله جل جلاله المنة في معرفة القلب واعترافه بإفضاله وعلى إطلاق اللسان بالثناء على جلاله الذي ذكرني جل جلاله في الأول في مقدس اختياره لا يجادي ثم زاد جل جلاله في إسعادي وإنجادي بأن أخرجني من العدم إلى الوجود في ذخائر أرض صان لسان حالها من هوان الحجود حيث قال لها وللسماوات ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ثم أكرم خلقي بأن جعله في حمى حرمة أول من اصطفاه من النبيين وأسجد له ملائكته أجمعين، ثم نقلني في خزائن السلامة والعناية التامة من أصلاب الاباء إلى بطون الأمهات ملحوظا بالعنايات محفوظا من الآفات التي جرت على الأمم الهالكات مصونا عن طعن الأنساب بدليل أنه جل
مخ ۱
جلاله جعلني من ذرية سيد المرسلين وخاتم النبيين وأفضل العالمين ومن فروع أكمل الوصيين وإمام المتقين والكاشف بالاذن المقدس المكين أسرار رب العالمين ومن ثمرة فؤاد سيدة نساء الأولين والآخرين الذين تولى الله جل جلاله بتزكية أعراقهم الطاهرة وتنمية أخلاقهم الباهرة فكل شرف سبق لهم صلوات الله عليهم بالولادات وكمال الاباء والأمهات فقد دخلنا معهم عليهم السلام في تحت تلك السعادات والعنايات ومن جملة فوائد تلك الأصول ما سيأتي في الفصول.
الفصل الأول: اعلم أنني ما أقول هذا غفولا عن الشرف بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقيكم) ولكن سلامة الأعقاب من الطعن والبلوى من أفضل نعم الله جل جلاله التي أمر جل جلاله بالاعتراف بقدرها وحث القرآن الشريف على الحديث (وأما بنعمة ربك فحدث).
الفصل الثاني: وقد تضمنت كتب الاخبار ومقالات الأخيار أن تعداد النعم بطهارة الأصول وسلامتها من الوهن المرذول من مهمات المأمول ودلالات الاقبال بشهادة المعقول والمنقول.
الفصل الثالث: وليس هذا من باب التزكية لنفس الانسان التي منع منها القرآن لأننا اعترفنا بها لله جل جلاله صاحب الاحسان ولان لو منع عقل أو نقل عن أمثال هذا المقال كان قد حرم على أهل الاسلام مدح أبيهم آدم على نبينا وآله وعليهم السلام وكان قد حرم على ذرية محمد صلى الله عليه وآله مدحه وتعظيمه على فعاله ومقاله لأنه جدهم والمدح له مدح
مخ ۲
لأعراقهم الجميلة وتزكية لأصولهم الجليلة.
الفصل الرابع: فترى كل ذي حسب ونسب يود لو أن حسبه ونسبه من أحسابنا وأنسابنا النبوية ولا نجد أبدا حسبا ولا نسبا خيرا من أحسابنا وأنسابنا الزكية فنتمنى أو نرضى أن تكون جميع أعراقنا منه أو أننا تفرعنا عنه الفصل الخامس: ثم شرفني الله جل جلاله من لدن سلفي الأطهار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وزين العابدين ومن ولدني من الأبرار بآباء وأمهات وأجداد وجدات، وجدت أهل العلم والأمانات ممن يعتمد عليهم وقد أطبقوا على الثناء عليهم وقد ذكرت من ذلك الثناء طرفا جليلا في كتاب (الاصطفاء).
الفصل السادس: ثم أخرجني الله جل جلاله إلى الوجود الحاضر بفضله الباهر على سبيل الاكرام في دولة الاسلام التي هي أشرف دول الأنام بعد أن أشرقت بجدي محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله أنوار شموسها وأطلقت بيد نبوته من قيود نحوسها وعتقت بهدايته من رق ضرها وبؤسها.
الفصل السابع: ثم جعل الله جل جلاله إخراجي إلى هذا الوجود بين آبائي ظافرين من العقائد بمراد المعبود وفي بلد منشأ أهله من الفرقة الناجية ويقرب من أعلام تعظيم المشاهد المعظمة السامية.
الفصل الثامن: وكان من النعم التي أمر الله جل جلاله بالحديث بها والتعظيم لها أنه جل جلاله ألهمني معرفته بطريق لا يحتمل خطر التلبيس ولا يشتمل على كدر التدليس ومن عرفني بالعيان ونور الايمان وجد لسان
مخ ۳
الحال مصدقا هذا المقال واستغنى بالوجدان عن إقامة البرهان وقد أشرت في بعض كتب اغترفتها من بحار كرم المالك اللطيف إلى طرف من كيفية ذلك التعريف وله جل جلاله الحمد الكامل السرمد حمدا كما هو جل جلاله له أهل لا يحصى ولا يعد.
الفصل التاسع: فلما دخلت سنة تسع وأربعين وستمائة هجرية ويوم النصف من محرمها قبيل الظهر يكون ابتداء دخولي في سنة إحدى وستين من عمري هلالية لأني ولدت قبل ظهر يوم الخميس نصف محرم سنة تسع وثمانين وخمسمائة في بلدة (الحلة السيفية) وكان ولدي (محمد) قد دخل في السنة السابعة من عمره الموهوب بلغه الله جل جلاله نهايات المطلوب لأنه أطال الله جل جلاله في حياته ولد بعد مضي ساعتين وخمس دقائق من يوم الثلاثاء تاسع محرم سنة ثلاث وأربعين وستمائة ببلدة (الحلة السيفية) كمله الله جل جلاله بدوام عنايته وكان ولدي (علي) شرفه الله جل جلاله طول مدته وأتحفه بكرامته قد دخل في السنة الثالثة من عمره وولادته ولد بعد مضي ثانيتين وست عشرة دقيقة من يوم الجمعة ثامن محرم سنة سبع وأربعين وستمائة بمشهد مولانا علي صلوات الله عليه وهما وديعتي عند الله جل جلاله وتسليمي إليه فوجدت في خاطري في شهر محرم من السنة المقدم ذكرها البالغة بعمري إلى إحدى وستين، باعثا رجوت أن يكون من مراحم أرحم الراحمين أنني أصنف كتابا على سبيل الرسالة مني إلى ولدي (محمد) وولدي (علي) ومن عساه ينتفع به من جماعتي وذوي مودتي قبل أن يحول بيني وبين أمنيتي ما لا
مخ ۴
بد من لقائه من انتقالي إلى آخرتي واعتبرت هذا الخاطر بالاستخارة الصادرة عن الإشارة الإلهية فرأيته موافقا لما رجوت من المراحم الربانية.
الفصل العاشر: وكنت قد رأيت ورويت في تواريخ الأنبياء والأوصياء وصايا لمن يعز عليهم صلوات الله وسلامه عليهم ووجدت سيدنا محمد الأعظم ورسوله الأكرم قد أوصى مولانا وأبانا عليا المعظم صلوات الله عليهما وآلهما وأوصى كل منهما جماعة ممن يعز عليهما ووجدت وصايا مشهورة لمولانا علي صلوات الله عليه إلى ولده العزيز عليه السلام وإلى شيعته وخاصته ووجدت جماعة ممن تأخر زمانهم عن لقائه قد أوصوا بوصايا إلى أولادهم دلوهم بها على مرادهم، منهم محمد بن أحمد الصفواني، ومنهم علي بن الحسين ابن بابويه، ومنهم محمد بن محمد بن النعمان تغمدهم الله برحمته ورضوانه، ومنهم مصنف كتاب الوسيلة إلى نيل الفضيلة وهو كتاب جيد فيما أشار إليه رحمة الله عليه، فرأيت ذلك سبيلا مسلوكا للأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء فامتثلت أمر الله جل جلاله في متابعتي لهم والاقتداء بهم والاهتداء بنورهم الفصل الحادي عشر: ووجدت الله جل جلاله قد آثر ولدي الأكبر (محمدا) على سائر ولدي بمهمات مما جعله جل جلاله ملكا في يدي وخصه بمصحفي وسيفي وخاتمي وثياب جسدي فرأيت أن هذا الايثار والاختصاص تنبيه من عند من يريد المعاملة لله جل جلاله بالاخلاص على أنني أوثر ولدي هذا (محمدا) وأخصه من ذخائر واهب العقول والقلوب مما أرجو أن يكون مرادا لعلام الغيوب وجامعا بينه وبين كل محبوب فمما يكون مناسبا
مخ ۵
لما خصه الله جل جلاله من تركتي على سائر ورثتي فإن له في هذه الرسالة على ما يدل المصحف الشريف عليه من معرفة صاحب الجلالة والمؤيد بالرسالة وما يريد منه وله السعادة الباهرة وحفظ النعم الباطنة والظاهرة وأخصه في هذا الكتاب بما يكون كالسيف الذي يدفع به أعداء مولاه الذين يريدون أن يشغلوه عن رضاه وبما يكون كالخاتم الذي يختم به على أفواه قدرة الناطقين بالشواغل عن معاده ويختم به على جوارحه أن تسعى في غير مراده وبما يكون منها كالخلع التي خلعها الله جل جلاله على مهجتي ليسلمني بها من الحر والبرد ويصون بها ضرورتي فأوثره من الخلع الشريفة والملابس المنيفة التي خلعها الله جل جلاله على الألباب وجعلها جننا ودروعا واقية من العذاب والعار وجعل منها ألوية للملوك الركاب إلى دوام نعيم دار الثواب ومن خلع السرائر والخواطر والقلوب ما يبقى جمالها عليه مع فناء كل ملبس مسلوب.
الفصل الثاني عشر: ووجدت أولادي الذكور قد وفر الله جل جلاله نصيبهم من تركتي على البنات فوفرت نصيبهم من ذخائر السعادات والعنايات.
الفصل الثالث عشر: وقد سميته كتاب (كشف المحجة لثمرة المهجة) وإن شئت فسمه كتاب إسعاد ثمرة الفؤاد على سعادة الدنيا والمعاد، وإن شئت فسمه كتاب كشف المحجة بأكف الحجة، وسوف أرتبه بالله جل جلاله في فصول بحسب ما يجريه على عقلي وقلبي ولساني وقلمي واهب العقول فأقول مستمليا من فائض بحور علمه جل جلاله لذاته الزاخرة الباهرة ما أرجو به لي ولأولادي ولغيرهم من سعادة الدنيا والآخرة.
مخ ۶
الفصل الرابع عشر: فيما أذكره من العذر في الاقتصار في الوصية على المواهب العقلية دون استيفاء الأحكام الشرعية، اعلم أن جماعة ممن عرفته من المصنفين اقتصروا على المعروف والمألوف من آداب وأسباب في وصايا أولادهم يتعلق بالدنيا والدين، ورأيت أن متابعتهم في ذلك تضيع لوقتي إذ كان يكفي أن أدلهم على تلك الكتب وما فيها من الآداب وما كنت أن أحتاج إلى أن أتكلف تصنيف كتاب وإنما أذكر ما أعتقد أنه أو أكثره مما لا يوجد في رسائل من ذكرت من أصحابنا العلماء في تصانيفهم لأولادهم مما أخاف أن أولادي لا يظفرون من غير كتابي هذا بمرادهم لدنياهم ومعادهم إلا أن يتداركهم الله جل جلاله الذي هو بهم أرحم وعليهم أكرم من خزانته (وعلم الانسان ما لم يعلم).
الفصل الخامس عشر: فيما أذكره من تنبيه على معرفة الله جل جلاله والتشريف بذلك التعريف، اعلم يا ولدي (محمد) وجميع ذريتي وذوي مودتي أنني وجدت كثيرا ممن رأيته وسمعت به من علماء الاسلام قد ضيقوا على الأنام ما كان سهله الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وآله من معرفة مولاهم ومالك دنياهم وآخرتهم فإنك تجد كتب الله جل جلاله السالفة والقرآن الشريف ملؤا من التنبيهات والدلالات على معرفة مولاهم ومالك دنياهم محدث الحادثات ومغير المتغيرات ومقلب الأوقات وترى علوم سيدنا محمد خاتم الأنبياء وعلوم من سلف من الأنبياء صلوات الله عليه وآله وعليهم على سبيل كتب الله جل جلاله المنزلة عليهم في التنبيه اللطيف والتشريف
مخ ۷
بالتكليف ومضى على ذلك الصدر الأول من علماء المسلمين وإلى أواخر أيام من كان ظاهرا من الأئمة المعصومين عليهم السلام أجمعين، فإنك تجد من نفسك بغير إشكال أنك لم تخلق جسدك ولا روحك ولا حياتك ولا عقلك ولا ما خرج عن اختيارك من الآمال والأحوال والآجال ولا خلق ذلك أبوك ولا أمك ولا من تقلبت بينهم من الاباء والأمهات لأنك تعلم يقينا أنهم كانوا عاجزين عن هذه المقامات ولو كان لهم قدرة على تلك المهمات ما كان قد حيل بينهم وبين المرادات وصاروا من الأموات فلم يبق مندوحة أبدا عن واحد منزه عن إمكان المتجددات خلق هذه الموجودات وإنما تحتاج إلى أن تعلم ما هو عليه جل جلاله من الصفات.
أقول: ولأجل شهادات العقول الصحيحة الصريحة والافهام الصحيحة بالتصديق بالصانع أطبقوا جميعا على فاطر وخالق وإنما اختلفوا في ماهيته وحقيقة ذاته وصفاته بحسب اختلافها الطرائق.
أقول: وإنني وجدت قد جعل الله جل جلاله في جملتي حكما أدركته عقول العقلاء فجعلني من جواهر وأعراض وعقل روحاني ونفس وروح فلو سألت بلسان الحال الجواهر التي هي في صورتي هل كان لها نصيب من خلقي وفطرتي لوجدتها تشهد لي بالعجز والافتقار وأنها لو كانت قادرة على هذا المقدار ما اختلف عليها الحادثات والتغيرات والتقلبات ووجدتها معترفة أنها ما كان لها حديث يفترى في تلك التدبيرات وأنها ما تعلم كيفية ما فيها من التركيبات ولا عدد ولا وزن ما جمع فيها من المفردات ولو سألت بلسان
مخ ۸
الحال الاعراض لقالت أنا أضعف من الجواهر لأنني فرع عليها فأنا أفقر منها لحاجتي إليها ولو سألت بلسان الحال عقلي وروحي ونفسي لقالوا جميعا أنت تعلم أن الضعف يدخل على بعضنا بالنسيان وبعضنا بالموت وبعضنا بالذل والهوان وأننا تحت حكم غيرنا ممن ينقلنا كما يريد من نقص إلى تمام ومن تمام إلى نقصان وينقلنا كما يشاء مع تقلبات الأزمان فإذا رأيت تحقيق هذا من لسان الحال وعرفت تساوي الجواهر والاعراض وتساوي معنى العقول والأرواح والنفوس وفي سائر الموجودات والاشكال تحققت أن لها جميعا فاطرا، وخالقا منزها عن عجزنا وافتقارنا وتغيراتنا وانتقالاتنا وتقلباتنا ولو دخل عليه نقصان في كمال أو زال كان محتاجا ومفتقرا مثلنا إلى غيره بغير إشكال وقد تضمن ما ذكرت لك كتاب الله جل جلاله وكتبه التي وصلت إلينا وكلام جدك رسول الله رب العالمين، وكلام أبيك أمير المؤمنين، وكلام عترتهما الطيبين الطاهرين من التنبيه على دلائل معرفة الله جل جلاله بما في بعضها كفاية لذوي الألباب وهداية إلى أبواب الصواب.
الفصل السادس عشر: فانظر إلى كتاب (نهج البلاغة) وما فيه من الاسرار، وانظر كتاب (المفضل بن عمر) الذي أملاه مولانا الصادق عليه السلام فيما خلق الله جل جلاله من الآثار، وانظر كتاب الإهليلجة وما فيه من الاعتبار فإن الاعتناء بقول سابق الأنبياء والأوصياء والأولياء عليهم أفضل السلام موافق لفطرة العقول والأحلام.
الفضل السابع عشر: وإياك وما عقدت المعتزلة ومن تابعهم على طريقتهم
مخ ۹
البعيدة من اليقين فإنني قرأتها فوجدتها كثيرة الاحتمال لشبهات المعترضين إلا قليل منها سلكه أهل الدين، وبيان ذلك أنك تجد ابن آدم إذا كان له نحو من سبع سنين وإلى قبل بلوغه إلى مقام المكلفين لو كان جالسا مع جماعة فالتفت إلى ورائه فجعل واحد منهم بين يديه شيئا موكولا أو غيره من الأشياء فإنه إذا رآه سبق إلى تصويره وإلهامه أن ذلك الموكول أو غيره ما حضر بذاته وإنما أحضره غيره ويعلم ذلك على غاية عظيمة من التحقيق والكشف والضياء والجلاء ثم إذا التفت مرة أخرى إلى ورائه فأخذ الحاضرين ذلك من بين يديه فإنه إذا عاد والتفت إليه ولم يره موجودا فلا يشك أنه أخذه أحد سواه ولو حلف له كل من حضر أنه حضر ذلك الطعام بذاته وذهب بذاته كذب الحالف ورد عليه دعواه، فهذا يدلك على أن فطرة ابن آدم ملهمة معلمة من الله جل جلاله بأن الأثر دلك دلالة بديهية على مؤثره بغير ارتياب والحادث دلك على محدثه بدون حكم أولي الألباب فكيف جاز أن يعدل ذوو البصائر عن هذا التنبيه الباهر القاهر عند كمال العقول إلى أن يقولوا للانسان الكثير الغفول وقد علموا أنه قد نشأ في بلاد الاسلام ورسخ في قلبه حب المنشأ لدين محمد صلى الله عليه وآله وأنس بسماع المعجزات والشرائع والأحكام وصار ذلك له عادة ثانية قوية معاضدة لفطرته الأزلية، لأنك مالك طريق إلى معرفة المؤثر والصانع الذي قد كان عرفه معرفة مجملة بأثره بفطرته قبل إرشاده إلا بنظره في الجوهر والجسم والعرض وتركيب ذلك على وجه يضعف عنها كثير من اجتهاده، ثم إن أستاده أو الذي يقول له
مخ ۱۰
هذا القول معتقد لدين الاسلام ويدعي أنه من العلماء والمعلمين وهو يجد في القرآن الشريف (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله الذي فطر الناس عليها) هل ترى يا ولدي محمد أنه يجوز لمسلم أن يطعن بعد هذه الدلالة المشار إليها ويسترها عمن هو يحتاج إلى التنبيه عليها ويعلم من ولد على الفطرة ولا يعرفه المنة عليه في تلك الهداية التي من الله عليها ثم يتلو ويسمع ويعلم أن الله جل جلاله يقول لسيد المرسلين صلى الله عليه وآله (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين) وقال الله جل جلاله (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا) فهل ترى يا ولدي المعرفة بالله إلا من الله وبالله وأنه جل جلاله هو الذي هدى (يهدي خ ل) للايمان بمقتضى القرآن وأنه هو صاحب المنة في التعريف وأنه لولا فضله ورحمته ما زكى من أحد في التكليف.
الفصل الثامن عشر: ومما يدلك يا ولدي حملك الله جل جلاله بإلهامك وإكرامك وجعلك من أعيان دار دنياك ودار مقامك أن المعرفة محكوم بحصولها للانسان دون ما ذكره أصحاب اللسان لأنهم لو عرفوا من مكلف ولد على الفطرة حر عاقل عقيب بلوغه ورشده بأحد أسباب الرشاد أنه قد ارتد بردة يحكم فيها ظاهر الشرع بأحكام الارتداد وأشاروا بقتله وقالوا قد ارتد عن فطرة الاسلام وتقلدوا إباحة دمه وماله وشهدوا أنه كفر بعد إسلام فلولا أن العقول قاضية بالاكتفاء والغناء بإيمان الفطرة ودون ما ذكروه من طول الفكرة كيف كان يحكم على هذا بالردة وقد عرفوا أنه ما يعلم حقيقة من حقائقهم ولا
مخ ۱۱
سلك طريقا من طرائقهم ولا تردد إلى معلم من علماء المسلمين ولا فهم شيئا من ألفاظ المتكلمين ولو اعتذر إليهم عن معرفة الدليل بالاعذار التي أوجبوها عليه من النظر الطويل ما قبلوها منه ونقضوا ما كانوا أوجبوه وخرجوا عنه.
الفصل التاسع عشر: وكيف كان الله جل جلاله يبيح دمه وماله وما أحسن به إليه وما مضى عليه من الزمان بعد بلوغ رشاده ما يكفيه لتعلمه من أستاده ومن ملازمته وتردده والله جل حلاله أرحم من الخلق كلهم بعباده وما أباح دمه إلا وقد اكتفى منه بما فطره عليه وبما يسعه بأقل زمان بعد إرشاده لاعتقاده.
الفصل العشرون: ومما يدلك يا ولدي محمد شرفك الله بأجمل العناية بمثلك ووصل حبله المقدس بحبلك على أن القوم يتوافقون وأنما يقولون قولا ما أعلم عذرهم فيما يقولون أننا رأينا وسمعنا وعرفنا عنهم إذا بقوا بعد البلوغ والتكليف مدة من أعمارهم على الفطرة الأولية والمعرفة الصادرة عن التنبيهات العقلية والنقلية ثم اشتغلوا بعد مدة طويلة بعلم الكلام وبما تجدد بعد الصدر الأول من قواعدهم في صدر الاسلام وعلموا منه ما لم يكونوا يعلمونه فإننا نراهم ونعلم من حالهم أنهم لا يبطلون شيئا من تكليفهم الأول بالشرعيات ولا ينقضونه فلو كانت معرفتهم بالله جل جلاله ما صحت إلا بنظرهم الانف كان مقتضى جهلهم بالله مع تفريطهم الأول في معرفته مع إظهارهم بشعار الاسلام يلزم منه قضاء ما عملوا من التكليف السالف.
الفصل الحادي عشر: ومما يدلك يا ولدي على أن معرفة الله جل
مخ ۱۲
جلاله من جوده لتطلبها من باب الزيادة عليه مع وفوده أنك تجد أكثر العارفين لا يعرفون وقت معرفتهم به جل جلاله ولا يوم ذلك ولا ليله ولا شهره ولا سنته ولو كان بمجرد كسبهم ونظرهم قد عرفوه لكان وقت ذلك أو ما يقاربه قد فهموه لأنك تجد العقل شاهدا أن من عرف سلطانا عظيما بعد أن كان جاهلا بمعرفته وكان وجه التعريف به من جهة لا يدركها الانسان باجتهاده وهمته فإنه يعرف وقت المعرفة بذلك السلطان أو ما قارب ذلك الزمان وإنما الله جل جلاله يسلك بالعبد الضعيف تسليكا يقصر فهمه عنه فلذلك لا يعرف وقت المعرفة ولا ما قارب منه.
الفصل الثاني والعشرون: واعلم يا ولدي يا محمد أيدك الله جل جلاله بجلال التأييد وكمال المزيد أن قولي هذا هو مما أقصد به أن النظر في الجواهر والأجسام والاعراض لا يجوز أو أنه ما هو طريق إلى المعرفة على بعض الوجوه والاعراض بل هو من جملة الطرق البعيدة والمسالك الخطيرة الشديدة التي لا يؤمن معها ما يخرج بالكلية منها.
الفصل الثالث والعشرون: وقد كان لنا صديق فاضل من المتعلمين بعلم الكلام رحمه الله ورضي عنه يحضر عندنا ونحدثه ونعرفه أن طرق المعرفة بالله جل جلاله بحسب معلوماته ومقدوراته على الأنام ولا ينحصر عددها بالافهام فتعجب لأجل ما قد ألفه من أن معرفة الله جل جلاله لا طريق إليها إلا بنظر العبد فقلت له يوما ما تقول في عيسى بن مريم (ع) لما قال في المهد (إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا) كانت معرفته بالله جل جلاله في
مخ ۱۳
مهده بنظره فتحير وعجز عن الجواب وقلت له يوما ما تقول في الناظر في معرفة الله جل جلاله إما أن يكون في أول نظره شاكا في الله عز وجل قال بلى قلت أفتقول أن النبي محمدا ووصيه عليا عليهما السلام مضى عليهما زمان شك في الله جل جلاله فقال غلبتني ما أقدر أقول هذا وهو خلاف المعلوم من حالهما فقلت له وأقول زيادة هب أنك توقفت عن موافقتي لأجل اتباع عادتك أما تعلم أن العقل الذي هو النور الكاشف عن المعارف ما هو من كسبك ولا من قدرتك وأن الآثار التي تنظر إليها ما هي من نظرتك وأن العين التي تنظر بها ما هي من خلقك وأن البقاء الذي تسعى فيه لنظرك وكل ما أعانك على نظرك ما هو من تدبيرك ولا من مقدورك وأنه من جل شأنه قال بلى ثم قال ولكن متى قلت إن المعرفة بالله جل جلاله لا يكون بنظر العبد ما يبقى له عليها ثواب فقلت وإذا كانت المعرفة بالله جل جلاله بنظر العبد فيلزم أيضا أنه لا ثواب عليها فاستعظم ذلك وقال كيف فقلت له ما معناه لأنك قبل أن تعرفه وشرعت تنظر في المعرفة بنظرك في الجواهر والأجسام والاعراض ما تدري نظرك هل يفضي إلى الاقبال على تصديق المعرفة أو الادبار عنها والاعراض فلا تكون قاصدا بنظرك التقرب إلى الله جل جلاله لأنك ما تعرفه وإنما تعرفه على قولك في آخر جزء من أجزاء نظرك وقد فات نظرك كله بغير معرفة وغير ثواب، فانقطع عن الجواب.
الفصل الرابع والعشرون: وقلت له إن المعرفة بالله عز وجل سواء كانت من الله جل جلاله أو من العبد أو منهما فإنما يكون الثواب على استمرار العبد
مخ ۱۴
عليها ولزوم ما يراد منه بها ولها ولقد كان ينبغي يا ولدي محمد إذا أراد العالم بالله جل جلاله وبرسوله صلوات الله عليه وآله وبالأئمة عليهم السلام من عترته وبشريعته أن يعرف المبتدي ممن ولد على فطرة الاسلام ما يقوى عنده ما في فطرته ويوثقه من كرم الله جل جلاله ورحمته وتعلق أمله بفضله ويدخله تحت ظله ويقول له قد عرفت محققا قبل بلوغك وبعد بلوغك أنك عالم ببديهيات وعالم بكليات وجزئيات ما سعيت في تحصيلها ولا عرفت كيف كان تدبير الله جل جلاله في وصولها إلى عقلك وقلبك وحلولها ولا ساعة ورودها على سرائرك ولا بأي الطريق سلك الله جل جلاله بها إلى ضمائرك فكن واثقا بذلك الواهب وعلق به آمالك وسؤالك به في طلب المواهب وقل له يا من أنعم علي بنور العقل قبل سؤاله وابتدأني بنواله وإفضاله هب لي مع السؤال والوفادة بالآمال ما يزيد مني معرفتك ولزوم حرمتك وشرفني بمراقبتك وعرفني أن ذلك صادر عن ابتدائك لي برحمتك ونعمتك حتى أنهض بك إليك وأقف بك بين يديك وأقبل بك عليك وأقدم بك إليك.
الفصل الخامس والعشرون: واعلم يا ولدي محمد بصرك الله جل جلاله بمراده منك ونصرك بكف أيدي الحساد والأعداء عنك أن لسان حال من ترحم بالانشاء ووهب العقول بما فيها من الضياء ونصب من عصمه من الادلاء يقتضي أنه يغضب على من ابتدأ عبيده بقطع رجائهم منه وشغلهم بما يشغلهم عنه وصرف خاطرهم عن مقدس أبوابه إلى تعلق اجتهادهم بما خلقهم منه من ترابه وكم عسى أن يبلغها اجتهاد من خلق من التراب وما الذي يحمل
مخ ۱۵
على التشبث بذلك والعزل في تدبيره لرب الأرباب وفاطر تلك الأسباب وما عذر المبتدي بقبول ذلك من أستاده ومن قد اختاره من عباد الله جل جلاله لارشاده وهو يعلم من نفسه على اليقين أنه ما خلق في نفسه حقيقة النظر ولا حقيقة ترتيبه وإنما وجد نفسه على الصفة التي هي عليها مع إدراك حقائق النظر وطرائق الفكر مع علمه البديهي أن ذلك التصور والادراك الذي وجد نفسه عليه ما هو من كسبه ولا اجتهاده وإنما هو من غيره وما يعلم حقيقة ذلك الغير الذي أوصله إليه فيحتاج أن يعرف من غيره على من يجري مجراه من الحيوانات على الوجه الذي يريد منه من معرفة الحقيقة والصفات وما الذي قصد بتسليم هذا النور إليه فصار النظر الأول دالا قبل الترتيب على واهبه دلالة مجملة حجة لله جل جلاله عليه مع ما كنا قد نبهنا عليه من كون الانسان قد مضى له قبل البلوغ عدة سنين يعرف أن الأثر دال على المؤثر دلالة خلق عليها وهداية هداه صاحبها إليها فيلزم مع اشتغاله إن كان لا بد له من الاشتغال على العلماء ذلك الهادي الأول واهب العقل والضياء ومطلق لسان أستاده بالكلام وقد كان أخرس ومسلك الهوى في مجاريه وبه عاش وتنفس وماسك ذات أستاذه وواهب حياته وماسك ما يحتاج إليه في مطلوباته وإرادته والذي أقام أستاذه وقد كان في صغره يزحف على بطنه ومن فتح أقفال فهمه وذهنه حتى صار يعرف ما ينفعه فيسعى إليه ويضره فينفر عنه ولا يقبل عليه.
الفصل السادس والعشرون: واعلم يا ولدي محمد ومن يقف على هذا
مخ ۱۶
الكتاب أنني ما قلت هذا جهلا بعلم الكلام وما فيه من السؤال والجواب بل قد عرفت ما كنت أحتاج إلى معرفته منه وقرأت منه كتبا ثم رأيت ما أغنى عنه وقد ذكرت في خطبة كتاب البهجة لثمرة المهجة كيف اشتغلت فيه وعلى من اشتغلت في معانيه وما الذي صرفني من ضياع عمري في موافقة طالبيه ولكن اعرف يا ولدي محمد بارك الله جل جلاله في بقائك وتعريفه وتشريفه لك في دار فنائك وبقائك، أن المبتدي إذا قال له الأستاذ لا طريق لك إلى معرفة الله جل جلاله إلا بنظرك في الجوهر والجسم والعرض كما كنا أشرنا إليه وأن حدوث الجسم لا يثبت إلا بالحركة والسكون فإن المبتدي أيضا ما يفهم بفطرته زيادة هذه الاعراض على الأجسام ولا له دربة بهذا الكلام ولا يرى بعين رأسه وإحساسه زيادة الحركة والسكون على الجسم المنتقل في الجهات إلا بأن يتعب في إنفاق كثير من الأوقات في تصور حد الجسم وتصور العرض وتحقيق زيادتهما على الأجسام وحفظ ما يتعلق بذلك كله من معنى وكلام وربما وجد الأستاذ عاجزا في حدود هذه المعاني المذكورة من أن تغير بألفاظها المعهودة المذخورة حتى يكاد أن يقلد قائلها وناقلها ويحتج بأنها قول فلان وفلان وقولهم كالحجة في معانيها ثم إذا فهم من أستاذه زيادة الحركة على الأجسام فإنه ما يكاد يفهم زيادة السكون على الجسم في ظاهر أوائل الافهام ولا يدرك على التعجيل من أن يلزم من حدوث الحركة والسكون حدوث الجسم العريض العميق الطويل فلا يزال غالب حاله يخبط خبط عشواء في أدلتهم ومعارضتها بشبهات احتمالات الأهواء حتى يتمخض في اجتهاده عن
مخ ۱۷
رجحان ظن أو اعتقاد ضعيف ومتى عرض له طعن قوي أعاده ذلك الطعن إلى الاستدلال والتكشيف فتراه مترددا في العقائد بين وساكن وعائد إلى أن يموت لعله يجوز حدوث القوادح وقد كان قبل ذلك التعليم لسكونه إلى معرفته المؤثر جملة سكون اعتقاد قوي راجح وكان آمنا مما صار لا يأمن من تجدد المطاعن والمعارضات والقوادح.
الفصل السابع والعشرون: ومما ينبهك يا ولدي على ما ذكرت بالعقل من طريق النقل عن سلفك الطاهرين أئمة الفضل ما رويته من كتاب أبي محمد عبد الله بن حماد الأنصاري من أصحاب مولانا الكاظم عليه السلام ونقلته من أصل قرئ على الشيخ الصدوق الذي ذكر جدك أبو جعفر الطوسي أنه لم يكن له نظير في زمانه وهو هارون بن موسى التلعكبري تغمده الله جل جلاله برضوانه تاريخه سنة ست وسبعين وثلاثمائة وهو أستاذ الشيخ المفيد محمد بن محمد ابن النعمان ضاعف الله جل جلاله لهما تحف الرضوان أروي كلما رواه بعدة طرق منها من أصل كتاب عبد الله بن حماد المشار إليه ما هذا لفظه عن عبد الله ابن سنان قال أردت الدخول على أبي عبد الله فقال له مؤمن الطاق استأذن لي على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له نعم فدخلت عليه فأعلمته مكانه فقال لا تأذن له علي فقلت له جعلت فداك تعلم انقطاعه إليكم وولائه لكم وجداله فيكم ولا يقدر أحد من خلق الله جل جلاله أن يخصمه فقال عليه السلام بل يخصمه صبي من صبيان الكتاب فقلت له جعلت فداك هو أجل من ذلك وقد خاصم جميع أهل الأديان فخصمهم فكيف يخصمه غلام من الغلمان وصبي
مخ ۱۸
من صبيان الكتاب فقال عليه السلام يقول له الصبي أخبرني عن إمامك أمرك أن تخصم الناس فلا يقدر أن يكذب علي فيقول لا فيقول له فأنت تخاصم الناس من غير أن يأمرك إمامك فأنت عاص له فيخصمه، يا بن سنان لا تأذن له علي فإن الكلام والخصومات تفسد النية وتمحق الدين.
ومن الكتاب المذكور عن عاصم الخياط عن أبي عبيدة الحذاء قال قال لي أبو جعفر عليه السلام وأنا عنده إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حتى تكلفوا علم السماء يا أبا عبيدة خالط الناس بأخلاقهم وزاولهم في أعمالهم، يا أبا عبيدة إنا لا نعد الرجل فقيها عالما حتى يعرف لحن القول وهو قول الله تعالى (ولنعرفنهم في لحن القول).
الفصل الثامن والعشرون: ووجدت في كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري في النسخة المقروة على هارون بن موسى التلعكبري رحمهما الله ما هذا لفظه عن جميل بن دراج قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول متكلموا هذه العصابة من شرارهم.
الفصل التاسع والعشرون: ويحتمل أن يكون المراد بهذا الحديث يا ولدي المتكلمين الذين يطلبون بكلامهم وعلمهم ما لا يرضاه الله جل جلاله أو يكونون ممن يشغلهم الاشتغال بعلم الكلام عما هو واجب عليهم من فرائض الله جل جلاله ولقد رأيت في عمري ممن ينتسب إلى علم الكلام وقد أعقبهم ذلك العلم شكوكا في مهمات من الاسلام.
مخ ۱۹
الفصل الثلاثون: ومما يؤكد تصديق الروايات بالتحذير من علم الكلام وما فيه من الشبهات أنني وجدت الشيخ العالم في علوم كثيرة قطب الدين الراوندي واسمه سعيد بن هبة الله رحمه الله قد صنف كراسا وهي عندي الان في الخلاف الذي تجدد بين الشيخ المفيد والمرتضى، وكانا من أعظم أهل زمانهما وخاصة شيخنا المفيد، فذكر في الكراس نحو خمس وتسعين مسألة قد وقع الاختلاف بينهما فيها من علم الأصول وقال في آخرها لو استوفيت ما اختلفا فيه لطال الكتاب وهذا يدلك على أنه طريق بعيد في معرفة رب الأرباب.
الفصل الحادي والثلاثون: يقول السيد الإمام العالم العامل الكامل العلامة الفاضل العابد رضي الدين ركن الاسلام جمال العارفين أفضل السادة أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن الطاووس بلغه الله أمانيه وكبت أعاديه، إنني وجدت مثال شيوخ المعتزلة ومثال الأنبياء عليهم السلام مثل رجل أراد أن يعرف غيره أن في الدنيا نارا موجودة وذلك الرجل الذي يريد أن يعرف وجودها قد رأى النار في داره وفي البلد ظاهرة كثيرة بين العباد ما يحتاج من رآها إلى المعرفة بها ولا اجتهاد فقال له هذا يحتاج معرفته إلى إحضار حجر النار وهو في طريق مكة لان كل حجر ليس في باطنه نار ويحتاج إلى مقدمة ويحتاج إلى محراق وأن يكون الانسان في موضع سليم من شدة الهواء لئلا يذهب بالحراق ويطفي ما يخرج من الحجر من النار فاحتاج المسكين إلى تحصيل هذه الآلات من عدة جهات وبعدة توسلات ولو كان قد قال له من مبدء الامر هذه النار الظاهرة بين العباد هي
مخ ۲۰