لك راى المعتزلة في هذا (فصل) من الكلام في الاصلح وقد اشتهر عن المعتزلة انها من أهل العدل وذلك لقولها ان الله تعالى لا يكلف العبد إلا ما يستطيع ولها مع ذلك قول تنسب الله عزوجل فيه الى الامر القبيح وتضاد به ما اوجبه الدليل من وصفه بالحسن الجميل وهو ما ذهب إليه الجبائي وابنه عبد السلام ومن وافقها وهم اليوم اكثر المعتزلة من ان الله تعالى وان كان عدلا كريما فانه لا يفعل بخلقه الاصلح ولا يتفضل عليهم بالانفع وانه يقتصر بهم من النفع والصلاح على نهاية غيرها افضل منها واصلح مع حاجتهم الى ما يمنعهم اياه من الصلاح أو فقرهم الى المنافع التي حرمهم اياها من الانعام والاحسان وهو قادر على ما يحتاجون إليه ومع ذلك هو غني عن منعه عالم بحسن بذله وفعله والعباد يتضرعون إليه في التفضل عليهم به فلا يرحم تضرعهم ويسالونه المنة بفعله فلا يجيبهم ويرجونه منه فيخيب رجاءهم ويتمنون من فعله فلا يهب لهم مناهم تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا والذي نذهب في ذلك إليه مما وافقنا البلخي فيه هو ان الله سبحانه متفضل على جميع خلقه بنهاية مصالحهم متطول عليهم بغاية منافعهم لا يسالونه صلاحا إلا اعطاهم ولا يلتمسون منه ما يعلم انه لهم انفع إلا فعله بهم ولا يمنعهم إلا مما يضرهم ولا يصدهم إلا عما يفسدهم ولا يحول بينهم وبين شئ يصلحهم وانه لا يقضي عليهم بشئ يسرهم أو يسوؤهم الا وهو خير لهم واصلح مما صرفه عنهم والذي يدل على ذلك هو ما ثبت من ان الله تعالى عالم بقبح القبيح وغنى عن فعله لا يجبر على الحسن ولا يحتاج الى منعه وانه مستحق للوصف بغاية الجود ومنفي عنه البخل والتقصير خلق الخلق لمنافعهم واخترعهم لمصالحهم فلو منعهم صلاحا لناقض ذلك الغرض في خلقهم ولم يكن مانعا نفعا هو قادر عليه عالم بحسنه إلا لحاجة إليه أو للبخل به أو الافتقار في صنعه وذلك كله منفي عن الله سبحانه ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه انا وجدنا الحكيم إذا كان آمرا بطاعته فلن يجوز ان يمنع المأمور ما به يصل إليها إذا كان قادرا على ان يعطيه اياه وكان بذله له لا يضره ولا يخرجه من استحقاق الوصف بالحكمة ومنعه لا ينفعه وكذلك إذا كان له عدو يدعوه الى موالاته ويحب رجوعه الى طاعته فلن يجوز ان يعامله من الغلظة أو اللين إلا مما يعلم انه انجع فيما يريده منه وادعى له الى ترك ما هو فيه من عداوته والرجوع الى ولايته فإن عرض له امران من الشدة والغلظة أو الملاطفة والملاينة يعلم ان احدهما ادعا لعدوه الى المراجعة والانابة والاخر دون ذلك ففعل الدون وترك ان يفعل الاصلح الادعاء وكلاهما في قدرته عليهما سواء ولا يضره بذلهما ولا ينفعه منعهما كان عند الحكماء جميعا مذموما خارجا من
--- [ 53 ]
مخ ۵۲