استحقاق الوصف بالجود والحكمة فلما كان هذا فيما بينا على ما وصفنا وكان الله تعالى قادرا حكيما جوادا عالما بمواضع حاجة عباده آمرا لهم بطاعته وترك عداوته والرجوع الى ولايته لا يضره الاعطاء ولا يلحق به صفة الذم ولا ينفعه المنع ولا يزيد في ملكه علمنا انه لا يفعل بعباده إلا ما كان اصلح بحالهم في دينهم وادعاها الى طاعته صحة كان أو سقما لذة كان أو الما آمنوا أو كفروا اطاعوا ام عصوا قال الله تعالى لرسوله عليه السلام * (قولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * طه هذا حين علم ان الدعاء على جهه اللين اصلح له ثم قال في موضع آخر * (ولقد ارسلنا الى امم من قبلك واخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون) * الانعام حين كانت الشدة والغلظة اصلح في دعائهم الى التضرع والخشوع لديهم واعلم ان الاصلح إذا فعل بالعبد لا يضطره الى ايجاد الفعل وإنما هو تيسر في ايجاده ومعونة عليه كما ان القدرة لا تضطر العبد الى ايجاد الفعل وإنما هي تمكين منه وازاحة للعلة فيه فمن نسب الله تعالى الى انه تعالى لا يفعل بمن كلفه الا الاصلح فقد جعله بخيلا ومقتصدا ومن نسبه الى ان لا يعطى من كلفه الطاعة القدرة عليها فقد جعله ظالما جائرا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فإن قال قائل إذا كان قد فعل بجميع خلقه الاصلح فقد ساوى بين وليه وعدوه ومن ساوى بينهما فغير حكيم في فعله قلنا إنما التسوية بينهما ان يثيبهما جميعا أو يمدحهما أو يفعل بهما جميعا ما يشتهيانه ويلذهما وليس التسوية بينهما ان يفعل لهما ما يكون ادعى الى طاعته وازجر عن معصيته الا ترى ان رجلا لو كان له عبدان قد اطاعه احدهما وعصاه الاخر فقصد الى الذي اطاعه فمدحه واعطاه ليزداد بذلك رغبته في طاعته ويرغب عبيده في فعلها وقصد الى الاخر فشتمه وعاقبه على ذنبه الذي ارتكبه ليزجره عن معصيته ويصير الى طاعته وينزجر غيره ايضا عن مثل فعله لكان قد فعل بكل واحد منهما ما هو اصلح له ولم يجز ان يقال مع ذلك انه قد ساوى بينهما وقد أمر الله تعالى عبديه المؤمن والكافر بالطاعة ونهاهما جميعا عن المعصية واقدرهما على ما كلفهما وازاح عللهما ولا يقال مع ذلك انه قد ساوى بينهما إلا ان يراد بالمساواة انه قد عدل فيهما ولم يظلم احدهما فذلك صحيح فإن قال إذا اوجبتم ان يفعل بعباده كل ما فيه صلاحهم في دينهم وفي اداء ما كلفهم فقد اوجبتم ان لما عنده مما فيه صلاحهم غاية ونهاية قلنا لسنا نقول ذلك بل نقول لا غاية لما عند الله تعالى مما فيه صلاح العباد ولا نهاية له ولا نفاد وان في سلطانه وقدرته امثالا لما فعله بهم مما فيه صلاحهم و--- [ 54 ]
مخ ۵۳