وفيما نقله الثقات من ذوي العقول، ثقة عن ثقة عن الرسول عليه السلام، أنه قال: (( لما أن خلق الله العقل قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر، فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب إلي منك، بك أعطي، وبك آخذ )). فقوله: بك أعطي وبك آخذ؛ دليل على أنه لا يثاب على فعل فعله، ولا يعاقب على جرم اجترمه؛ إلا من ركب فيه لب حاضر، ورأي صادر.
وفي قول الله تعالى: {إنما يتذكر أولوا الألباب} [الرعد: 19، الزمر: 9]؛ أكبر الدليل علىأنه لا يكون تذكرة ولا تفكرة، تعود إلى معرفة وبيان، وحسن نظر وإتقان؛ إلا بلب تتفرع منه التذكرة والمعرفة في الإنسان. فتبارك من علم خفيات ضمائر القلوب عنده كالإعلان.
فإن قيل لك: أبن لنا ما معنى تفرعها من العقل؟ وكيف تتفرع؟ وما معنى قولك: يستعمل العقل؟ وكيف يستعمل؟ ومثل لنا ذلك بمثل تقبله عقولنا، وتفهمه أنفسنا.
فقل: مثل العقل في الآدمي؛ كمثل الإستطاعة فيه، والإستطاعة(1) هي سلامة أدواته، فإذا استعملت الأدوات فيما تصلح له؛ تفرعت أفعاله منها، كمثل ما يتفرع من الكف من الحركة، مما يؤدي إلى رفع أو وضع، أو ما يتفرع من حركات الرجل؛ من مشي أو عدو، أو ركوب أو نزول، أو غير ذلك. وكل أداة ففعلها متفرع منها، وتفرعه فهو خروجه. وكل فعل أداة(2) فغير كائن بغيرها من الأدوات، ولن يوجد إلا بوجودها، ويتغير بتغيرها، ويزيد بزيادتها، ويكمل بكمالها، ويعدم بعدمها، ويدخل عليه من الضرر ما يدخل عليها.
فكذلك تفرع المعرفة من العقل وكسبها به؛ كتفرع الحركات من الأدوات، توجد بوجوده، وتعدم بعدمه.
مخ ۷۹۳