جواب مسألة لرجل من أهل قم
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه:
سألت عصمنا الله وإياك بعصمته، ووفقنا وإياك لمرضاته، وجعلنا وإياك من أهل طاعته، وختم لنا ولك بمغفرته، ونجانا وإياك من حيرة هذا الدهر برحمته:
[معرفة الله هل هي فعل الله أو فعل العبد؟]
عن معرفة الله تبارك وتعالى؛ ما تصرفها في الخلق؟ وكيف تكوينها في العباد؟ وما محلها في الأجساد؟ وهل هي من أفعال المخلوقين؟ أم هي خلق أحسن الخالقين؟ غريزة ركبها في عباده، فجعلها سبحانه كما خلق وركب وجعل فيهما من العقول.
واعلم هداك الله أن المعرفة هي: كمال العقل والعمل به، فإذا كمل العقل، وصح واستعمل؛ تفرعت منه المعارف والأفهام، لذوي الفكر والأحلام، ومتى عدمت من الأدميين الألباب؛ لم تصح فيهم المعارف بسبب من الأسباب، بل تكون بنأيه أنأى من كل ناء، وبدنوه أدنى من كل دان، تحضر بحضوره، وتعزب بعزوبه، محتاجة إليه، وهو فغير مضطر ولا محتاج إليها، متفرعة من فروعه، كامنة في أصوله، كائنة بكينونته، وهو فغير متفرع منها، ولا محتاج مضطر إلى كينونتها، بل هو مقيد العماد، راسخ الأوتاد، فكل معرفة كانت من العباد، بالأزلي الخالق الجواد؛ فبالعقول استدركها المستدركون من ذوي الألباب، واستخرجها المستخرجون، ووقف على حدود شرائعها العالمون.
وعلى ذوي العقول افترضت معرفة الله وعبادته، وهم الذين ينالون باداء فرائض الله ثوابه، ويستحقون برفضها دون غيرهم ممن سلب لبه عقابه. فالعالمون من ذوي الألباب هم المجازون بالحسنة الحسنات، وبالسيئات من الأفعال(1) السيئات. والعقلاء فهم الموقوفون للحساب، الخائفون لأليم العقاب، والكائن منهم ما ذكر الله سبحانه حين يقول: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} [آل عمران: 106]، وهو يوم تخشع الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا، فتبيآض (2) فيه وجوه من جاء بصالح الأعمال، وتسوآد وجوه من جاء بسيء الأفعال، يكون حال من سلب لبه فيه كحال الأطفال، آمنا إذ ذاك من هائل الأهوال، لا يسألهم الواحد العدل المنان، عما منهم في دنياهم كان، فتبارك الله العادل في خلقه الرحمن.
مخ ۷۹۲