وان احببت يا هذا ان اجيئك بشهادات على تحقيق هذا ايضا من كلام ارسطوطاليس وكلام ناوفرسطس فانهما قد ذكرا هذا الذى ذكره فلاطن مرارا يسيرة مرارا كثيرة جدا امكننى ذلك. ومن بعد فلاطن وارسطوطاليس قد يمكننى ان انقل فى ذلك شهادات من كلام قلانثس وكلام خروسبس وكلام زينن فان هؤلاء كلامهم كلهم كأنهم ينطقون من فم واحد، يقولون ان الحميات انما تكون عندما يغلب على البدن ويفرط فيه العنصر النارى، واذا كانت الحمى عظيمة لم يحتشموا من ان يسموها على المثال نارا كما يسميها بقراط نارا، فانه مرارا كثيرة يقول مكان: «اخذته الحمى»:«اخذته النار»، واذا هو ذكر الحمى اليسيرة اللينة قال ان انسانا «سخن» او «وجد فتره منصبا». وكذلك ديوقلس ايضا يقول ان الغالب على البدن فى الحميات النار، وانفادقلس وفيلسطيون يقولان مثل ذلك كما قال ارسطوفانس فى الكلام الذى حكيناه عنه قبيل. فاما ابقراط فانه ليس يسمى الحمى نارا فقط بل قد يستجيز ان يسميها ايضا لهيبا ويسمى حرارتها شعلة نار حيث يقول فى الجزء الذى ليس بصحيح من كتاب الامراض الحادة «وذلك انها تتزيد فيبرد القدمان عندما تشب وتشتعل من الصدر ويصعد لهيبها الى الراس».
وان احتجت منى الى شهادة استدل بها من كلام اصحاب الريطوريقى لتعلم ان اولئك ايضا انما كانوا يريدون بقولهم حمى الحرارة النارية الخارجة عن الطبع فاسمع قول انطيفون حيث يقول «فهذه اشياء قد اخبرتك ان المرة كانت تفعلها لانها كانت فى اليدين والرجلين، واما التى كانت تتأدى الى اللحم فانما كانت اذا كان مقدارها كثيرا احدثت حميات دائمة، لان اللحم اذا صارت اليه حدث به منها فساد فى نفس جوهره وتورم فالحرارة الخارجة عن الطبع تكون من هذا الموضع فاما دوامها واطباقها فيكون من قبل المرة اذا كانت كثيرة فى اللحم لم تنصب وتخف سريعا بل كانت تبقى بان تصبر عند الحرارة الخارجة عن الطبع».فأنت تجد انطيفون فى كلامه هذا لم يقتصر على ان يسمى الحرارة الخارجة عن الطبع بالاسم الذى يسميها به جميع اليونانيين من اهل اللغة المعروفة بأطيقى وهى ثرمى فقال ان فى جميع المحمومين حرارة تسمى بهذا الاسم دون ان اخبرك كيف تكون هذه الحرارة فنسب السبب فى كونها الى المرار. وكذلك قال ايضا فى هذه المقالة الثانية بعينها من مقالاته فى الحق قولا نسب فيه السبب فى كون الحمى الى المرار فقال: «واما كل شىء منها يتأدى الى اللحم فانه يولد حميات شديدة طويلة المدة». ثم انه من بعد هذا اذا امعن فى القول قليلا يلقب الحرارة التى تكون على غير المجرى الطبيعى فى النقرس بغير اللقب الذى يلقبها به جميع اصحابه فيسميها فلغمونى وحمى وهذان اسمان يدلان فى هذا الموضع على اللهيب. وقد نستدل على ان القدماء كانوا يسمون كل شىء شبيه بالالتهاب فلغمونى من شرح كلامهم، فان المفسرين لكلامهم ليسوا بقليلى العدد. واما انهم كانوا يسمون ذلك ايضا حمى فأنت تستدل على ذلك من هذا القول الذى انسخه لك من قول انطيفون: «فالعروق اذا وردها اكثر مما تحتمل انفتحت وبسبب هذا يحدث بها فلغمونى، فاذا حدث بها فلغمونى وصارت توجع صاحبها واذا استحكم ذلك سميت هذه العلة نقرسا». فجميع الناس قاطبة حكيمهم وغبيهم واهل المنطق منهم واهل الريطوريقى استعملوا هذا الاسم على هذا السبيل. واذا كان الامر كذلك فاقتصاصى ما يعرفه من امره جميع الناس فضل.
مخ ۱۹