وانما ينبغى لى فى هذا الوقت ان آخذ فى ذكر القوم الذين ليس الاستدلال عندهم على معنى اسم الحمى من دلالة نفس اللفظ، على نحو ما ظن من يزعم ان اسم الحمى باليونانية انما هو مشتق لا من اسم النار ولا من استعمال واحد من عوام الناس ولا من استعمال اهل مدينة من المدن له ولا من استعمال رجل من اهل الريطوريقى او من اصحاب القوموذيا او من اصحاب الكتب فى السير والاخبار او بالجملة من استعمال انسان من الناس له ثم يتقدمون بالجرأة منهم وبالتقحم على ان يقولوا ان الحرارة النارية التى تحدث فى بدن الانسان ليست حمى بل انما الحمى تغير حركة نبض العروق اذا كان ذلك بسبب ورم. فان هذا قول من شاء ان يعارضه بأقوال كثيرة مساوية له امكنه ذلك، منها ان الحمى هى تغير حركة نبض العروق بسبب العصب، وعلى هذا المثال يمكن الانسان التكلم عليها بكل واحد من سائر الاسباب الاخر من غير ان يقدر على برهان يضيفه الى كلامه. ومما يعادل ذلك القول ايضا هذه الاقوال ان الحمى تغير اللون الطبيعى بسبب رداءة الاخلاط والحمى هى تغير اللون الطبيعى بسبب العفونة والحمى هى تغير اللون الطبيعى بسبب الورم المسمى فلغمونى وهو الورم الحار وكذلك بسبب الورم المسمى سقيروس وهو الورم الصلب وبسبب سفاقيلس وهو فساد العضو وبسبب اوديما وهو الورم الرخو وبسبب آفة تكون فى الاحشاء. فان الانسان يقدر متى حدث فى اللون الطبيعى تغير او فى نبض العروق بسبب واحد من هذه الاشياء ان يسميه حمى ويكون فى فعله ذلك شبيها باراسسطراطس يسن سننا ويبتدع اسماء بديعة لا ياتى على شىء منها بيان ولو جسمس لا من نفس دلالة اللفظ ولا من استعمال الناس.
اما انا فاعلم ان الصبيان اذا حموا احسوا بالحمى فدع من قد جاوز حد الصبا، فتراهم ساعة يحمون يرمون بانفسهم ويقولون انهم محمومون. ولم يزل الناس ايضا على قديم الدهر قبل ان يكون اراسسطراطس اذا اصابتهم حرارة نارية قالوا انهم محمومون وكذلك جميع من كان بعده. فانك لا تجد اراسسطراطس اقنع احدا بقوله هذا الا النفر اليسير الذين هم اهل القنوع بمثل هذا. ومع هذا فقد يجب ان كانت الحمى انما هى خاصية من خاصيات حركة النبض ان لا يكون احد منا نحن فضلا عن غيرنا يعلم متى ابتدأته الحمى ولا يعلم بتة انه محموم. ولكنا نجد الناس كلهم يعلمون ان كانوا محمومين ما داموا فى وقت حماهم يحترقون نارا ونجدهم لا يحتاجون فى ذلك الوقت الى مسئلة الطبيب هل هم محمومون بل انما يسئلون عن حماهم هل هى حمى خبيثة رديئة عسرة البرء او هى عظيمة شديدة الا ان برءها لا يعسر. فاما اذا هم وجدوا التباسا وتغيروا عن الحال الطبيعية ورأوا ذلك يسيرا فحينئذ يشكون حقا ويحتاجون الى مسئلة الطبيب عن امورهم هل بهم حمى بالحقيقة او لا. وهم لعمرى فيما يفعلونه من ذلك على غاية الصواب، اذ كان التغير اليسير جدا والزوال عن الحال الطبيعية الى الحال الخارجة عن الطبيعة فى اوله هو امر لا يقف عليه الا الطبيب الحاذق، وكان تزيد الزوال وخروجه عن المقدار الكبير جدا فى كل واحد من الاشياء الطبيعية قد يقف عليه ويعرفه عوام الناس فضلا عن غيرهم.
مخ ۲۰