وفي هذه الجمعة نسب بنو حرمى إلى قتل قتيل؛ وذلك أنه لما وقع لهم مع الشريف الفاضل عبد الوهاب بن أبي بكر السلطي الشافعي ما تقدم. من إخراجه من الحجازية، ظلما، وعدوانا، وكانوا سلطوا عليه عبدا لهم ليقتله، وتكلم بذلك ورشوا الوالي، فانقلب عليه، فلما ظفروا به ، ساء ظفرهم، واشتد بطرهم [وحدثت] منهم أمور، يطول شرحها، فقوبلت بالصبر الجميل، والاعتماد على الحق الوكيل، فانتصر لنا، إذ خذلنا كل أحد، حتى أعز الأصحاب، انتصارا ما كنا نقدر على شيء منه؛ وذلك أنه حملهم إعجابهم، على أن سكنوا على البحر للفرجة، فانتهزت خادم أحدهم فرصة غيبته عن البيت، فكانت كلما أرسلوها إليه، لتأتيهم بحاجة فتحت صندوق المال، وأخذت ما شاءت، ودفعته إلى من تريد، إلى أن اكتفت، ثم ذهبت بنفسها، فلم يقفوا لها على خبر، ويقال: إن القدر، الذي أخذته، ألف دينار، وانكسر مدين للآخر، في نحو ألف دينار، فكانوا في مصيبتين؛ أحدهما ذهاب المال، والثانية، كتمانه؛ خوف الشماتة بهم، وأن يسأل عن سبب هذا المال الكثير، وكان قد نقل، عن عبد لهم، أنه قال: أصل هذا المال الذي مع سيدي مني؛ وذلك أنه لما نهب العوام قصاد شاروخ بن تمرلنك في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، كنت أول داخل عليهم، وكانوا في القصر الذي إلى جانب الحجازية، فأخذت صندوقا، وأتيت به إلى سيدي، فإذا هو مملوء ذهبا، وفيه ثماني جواهر حمر، كل واحدة منها قدر البندقة، كأنها حمرة نار في موقدها وإشراقها، ثم طال عليهم الأمر، فأظهروا ذلك في شوال هذه السنة، فلم يحصل الذي كسر صاحبه ماله على غير التعب، وأما رب الجارية، فإنه وقع في خطته عبد لبعض بني ظهيرة بإفساد جاريته، وأخذ مال منها، وحبس لأجل ذلك، فحملهم البخل، وقلة الدين على إتهامه بجاريتهم، ورشوا الوالي على ضربه، فضربه، فأنكر ذلك، فكرروا عليه الضرب حتى ضربوه على ركبه، فمات في هذه الجمعة، فسقط في أيديهم، وطارت أفئدتهم، واتفق أن كان ميعادي في تلك الجمعة في قوله تعالى: { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}[النور:55] وذلك اتفاق غريب، مع الاتفاق في وقت إخراج الشريف، أن يكون الميعاد في قوله تعالى: {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق} [الحج: 40] كما تقدم، وذلك أني أفسر القرآن متواليا، فسبحان الله، ما أعظم شأنه، وأعز سلطانه، وأعلمه بالعواقب، وله الحمد على ما بشر به، فإنا لنرجوا فوق ذلك مظهرا.
مخ ۱۶۰