وكان الأمير قراجا مملوك السلطان، وخزنداره الثاني، مجاورا لجامع الأزهر مدة سنتين، وهو من متفقهي الأتراك، ومتصولحيهم، فكان يسمع كثيرا من أخبار الأشرار المجاورين بجامع الأزهر، من جهلتهم، ومتزوكريهم، وكان بالجامع نحو ألف نفس من المجاورين المنقطعين للإشغال بالقرآن، والعلم، تشتمل عليهم أربعة أروقة: رواق ابن معمر، ورواق الريافة في الجانب الشمالي من الجامع، إلى جهة الميضأة، ورواق المغاربة، ورواق الجبرت والزيالع واليمنيين، في الجهة الجنوبية، وكان من المقرر أن مثل هذا الجمع لا يخلو عن مفسد، وكان الأمير قراجا، يسمع كثيرا من أخبار شرارهم الجهلة منهم، والمتزوكرين، وكان منهم شخص يقال لهك أحمد الصندلي، ينتسب إلى خير وزهد وكرم، فأنكر قضية تتعلق بقراجا، فحصل بين بعض أتباعه، وبين أتباع قراجا من الجند وأتباعهم خصام أوصل إلى المباطشة بالأيدي، فعظم عليه ذلك، ثم بعد أيام دخل شخص من الفلاحين إلى الجامع، يستغيث بأهله، وكان معه نقيب، من بيت الدويدار الكبير، دولات باي، ناظر الجامع، فذبوا عنه، فأراد النقيب نزعة منهم، فضربه بعض أشرارهم، فلم يصل إلى شيء، فاجتمع دولات باي، وقراجا، وشكوا إلى السلطان مثل هذه الحال، من المجاورين، فأمر بإخراجهم من الجامع، ونقل خزائنهم منه، وإخراج كراسي المصاحف، وإخراب الخلاوي التي بالجامع، وأمر بأن يقعد مجلس بالقضاة، فاجتمع القضاة الأربع: الشرف يحيى المناوي ، والسعد بن الديري الحنفي، والولي السنباطي المالكي، والبدر محمد بن أحمد بن عبد المنعم البغدادي الحنبلي، بالجامع، ومعهم كاتب السر الكمال بن البارزي، وناظر الجامع الدويدار الكبير، وذلك يوم السبت حادي عشري شعبان سنة 855ه، فرأى القضاة غير ما رأى السلطان، ثم طلعوا إليه، ليعلموه بما اتفق، فشرعوا يصبرونه، ويسألونه الإمهال في هذا الأمر، إلى أن ينسلخ شهر رمضان، فلم يفعل، وتبين منه حنق عظيم، على المجاورين، وأمرهم بمعاودة عقد المجلس في الجامع، والإسراع بإخراج المجاورين. ثم نزل السلطان يوم الأحد ثاني عشريه، إلى زيارة بنته، من أخت كاتب السر، وهي زوجة يزبك مملوكه، ثم لما خرج من عندها، لم يشك في أنه يأتي إلى الجامع الأزهر، فبادر دولات باي، إلى الجامع، وفرش للسلطان، عند المحراب، فلم يعرج السلطان، فصرفه الله عن إتيان الجامع، بعد أن وصل إلى عطفة الخراطين، فطلع إلى القلعة، ولم يعرج عليه، ثم كف عنهم.
العاملي:
مخ ۱۴۲