-17- وسلمت الأمة بأسرها بتأويل الكتاب بالكتاب ، والسنة بالكتاب والسنة بالسنة ، والآثار بالآثار والسنة بالآثار ، ولكن لا يجوز ذلك إلا على معنى تأويل الحق في الخاص والعام ، والمجمل والمفصل ، والمحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، ولا يجوز إلا هكذا .
فصل : وإنما أصل ما عذر به العبد عن التقيد في الجملة ، عدم خبرها وعلمها لا غير ذلك ولا يجوز غير ذلك ، ففي أي بقعة علمها وبلغه حكمها ، لزمت الحجة فيها بما يجب عليه في ذلك ، وفي أي بقعة عدم خبرها وعلمها ، وجب له من العذر ما لمعدمها في أي بقعة ، ولا يجوز غير هذا .
فإن قال قائل : فعلى المتصل بالأرض أن يطلب علم ذلك ويسأل عنه ، حتى لا يأتي عليه حال يجهله ، وهو في بقعة يدرك معرفة ذلك فيها .
قلنا له : لأي علة يلزمه ذلك ، وهو دائن في الأصل بجميع دين الله ، فيما أخذ عليه من الميثاق والعهد ، وله في ذلك ما عليه ، فهو مقر بالجملة ما لم ينكرها ، وعالم بها ما لم يجهلها ، بعد قيام الحجة عليه بعلمها وبلوغ ذلك إليه ، ومؤدي في أحواله كلها ما لزمه في جملته ، في دين الله - تبارك وتعالى - عليه ، من الصلاة والزكاة والحج والعمرة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما الذي يضيق عليه من هذا ، وهو على جملة الإقرار ، حتى يأتي عليه علم يخصه كما خص غيره ، ممن كان معذورا .
فصل : فإن أن هذا الجاهل بجهله وتماديه في باطله.
قيل له : فحيث ألزمت هذا المعدم لعلم الجملة بسماع أو ذكر ، أو فكرة تؤديه إلى ذلك ، فمما يلزمه أن يسأل عن شيء معروف أو مجهول ، وهو لا يعرفه بذكره ، ولا خطر له ذلك ببال ، أن هذا لهو العمى والضلال ، إذ يلزمه أن يسأل عما لا يعرف ولا يعقل ، ولا أدركته معرفته بنظر ولا سماع ولا فكرة ، فعن ماذا يسأل ؟
-18- فإن قال : عن الجملة ، كما جاء الأثر.
مخ ۱۸